وجودُ الشيء بعدَ
عدمِهِ؛ وإن شئت فقل : هو ترتُّبُ إحدَى الضرورتين على الاُخرى ، والضّرورة ـ كما
عرفت ـ مناط الغنى عن السبب ، فما لم تعتبر الماهيّة بإمكانها لم يرتفع الغنى ولم
تتحقّق الحاجة ، ولا تتحقّق الحاجة إلاّ بعلّتها وليس لها إلاّ الإمكان.
حجّةٌ
اُخرى : الحدوث ـ وهو كون الوجود مسبوقاً بالعدم
ـ صفةُ الوجود الخاص ، فهو مسبوقٌ بوجود المعلول لتقدُّمِ الموصوف على الصفة ، والوجود
مسبوقٌ بايجاد العلّة ، والايجاد مسبوقٌ بوجوب المعلول ، ووجوبه مسبوقٌ بايجاب
العلّة ـ على ما تقدّم [١]
ـ ، وإيجاب العلّة مسبوقٌ بحاجة المعلول ، وحاجة المعلول مسبوقةٌ بإمكانه ، إذ لو
لم يكن ممكناً لكان إمّا واجباً وإمّا ممتنعاً ، والوجوب والامتناع مناطُ الغنى عن
العلّة؛ فلو كان الحدوث علّةً للحاجة والعلّةَ متقدّمةً على معلولها بالضّرورة
لكان متقدّماً على نفسه بمراتب ، وهو محال [٢].
فالعلّة هي الامكان ، إذ لا يسبقها ممّا
يصلح للعلّية غيره ، والحاجة تدور معه وجوداً وعدماً.
والحجّة تنفي كون الحدوث ممّا يتوقّف
عليه الحاجة بجميع احتمالاته من كون الحدوث علّةً وحده ، وكون العلّة هي الإمكان
والحدوث جميعاً ، وكون الحدوث علّةً والإمكان شرطاً ، وكَوْنِ الإمكان علّةً
والحدوث شرطاً أو عدم الحدوث مانعاً.
وقد
استدلّوا[٣]
على نفي علّيّة الإمكان وحده للحاجة بأنّه لو كانت علّةُ الحاجة إلى العلّة هي
الإمكان من دون الحدوث جاز أن يوجد القديم الزمانيّ ،