هذا الذي تقدّم ـ من معنى الإمكان ـ هو
المبحوث عنه في هذه المباحث ، وهو إحدى الجهات الثلاث التي لا يخلو عن واحدة منها
شيء من القضايا [١].
وقد كان الإمكان عند العامة يُستعمل في
سلبِ الضرورة عن الجانب المخالف ، ولازِمُه سلبُ الامتناع عن الجانب الموافق.
ويصدق في الموجبة فيما إذا كان الجانب
الموافق ضروريّاً ، نحو «الكاتب متحرّك الأصابع بالإمكان» ، أو مسلوب الضرورة ، نحو
«الإنسان متحرّك الأصابع بالإمكان».
ويصدق في السالبة فيما إذا كان الجانب
الموافق ممتنعاً ، نحو «ليس الكاتب بساكن الأصابع بالإمكان» ، أو مسلوب الضرورة ، نحو
«ليس الانسان بساكن الأصابع بالإمكان».
فالإمكان بهذا المعنى أعمّ مورداً من
الإمكان بالمعنى المتقدّم ـ أعني سلْبَ الضرورتَيْن ـ ومن كلٍّ من الوجوب والامتناع
، لا أنّه أعمٌّ مفهوماً ، إذ لا جامع مفهوميّ بين الجهات.
ثمّ نقله الحكماء إلى خصوص سلب الضرورة
من الجانبَيْن ، وسَمّوه : «إمكاناً خاصاً وخاصيّاً» ، وسَمّوا ما عند العامة : «إمكاناً
عاماً وعاميّاً».
وربّما أُطلق الإمكان وأُريد به سلبُ
الضرورات الذاتيّة والوصفيّة والوقتيّة ، وهو أخصّ من الإمكان الخاصّ ، ولذا يسمّى
: «الإمكان الأخصّ» ، نحو «الإنسان كاتبٌ بالإمكان» ، فالماهيّة الإنسانيّة لا
تستوجب الكتابة ، لا لذاتها ولا لوصف ولا في وقت مأخوذَيْن في القضيّة.
[١] بخلاف صاحب
المواقف ، فانّه قال : «واعلم انّ هذه غير الوجوب والإمكان والإمتناع التي هي جهات
القضايا وموادّها ...» ، فراجع شرح المواقف ص ١٣١ ، واعترض عليه شارح المقاصد بأنّه
: «إن أراد كونها واجبة لذوات اللوازم فالملازمة ممنوعة ، أو لذوات الماهيات
فبطلان التالي ممنوع فإنّ معناه أنّها واجبة الثبوت للماهيات نظراً إلى ذواتها من
غير احتياج إلى أمر آخر» ، راجع شرح المقاصد ج ١ ص ١١٥.