وأنكر الوجود الذهنيّ قومٌ [١] ، فذهب بعضهم [٢] إلى أنّ العلم إنمّا هو نوعُ إضافة من
النفس إلى المعلوم الخارجيّ.
وذهب بعضهم [٣] ـ ونُسِبَ إلى القدماء [٤] ـ الى أنّ الحاصل في الذهن عند العلم
بالأشياء أشباحُها المحاكية لها ، كما يحاكي التمثال لِذي التمثال مع مباينتهما
ماهيّةً.
وقال آخرون [٥] بالأشباح مع المباينة وعدم المحاكاة.
ففيه خطأٌ من النفس غير أنّه خطأٌ
منظّمٌ لا يختلّ به حياةُ الإنسان ، كما لو فرض إنسان يرى الحمرةَ خضرةً دائماً
فيرتّب على ما يراه خضرةً آثارَ الحمرة دائماً.
والبرهان على ثبوت الوجود الذهنيّ أنّا
نتصوّر هذه الاُمور الموجودة في الخارج ـ كالإنسان والفرس مثلا ـ على نعتِ
الكلّيّة والصرافة ، ونحكم عليها بذلك ، ولا نرتاب أنّ لمتصوَّرِنا هذا ثبوتاً مّا
في ظرفِ وجداننا ، وحَكَمْنا عليه بذلك ، فهو موجود بوجود مّا؛ وإذ ليس بهذه
النعوت موجوداً في الخارج لأنّه فيه على نعتِ الشخصيّه والاختلاط فهو موجودٌ في
ظرف آخر لا تترتّب عليه فيه آثاره الخارجيّة ونسمّيه : «الذهن».
[١] وهم قومٌ من
المتكلمين ، كذا في شرح المنظومة ص ٣٠.
[٢] وهو فخر الدين
الرازيّ ، راجع المباحث المشرقيّة ج ١ ص ٣٢١.
[٣] وهو قومٌ من
المتأخّرين على ما في الأسفار ج ١ ص ٣١٤. وقال الحكيم السبزواريّ في شرح المنظومة
ص ٣١ : «والقائل جماعة من الحكماء».
[٤] قال الحكيم
السبزواري في تعليقته على الأسفار ج ١ ص ٣١٤ الرقم (١) : «يُنسب القول بالشبح إلى
القدماء». ونَسَبه إليهم المحقّق اللاهيجيّ في شوارق الإلهام. ثمّ أراد توجيه
مذهبهم بحيث يرجع إلى مذهب المتأخرين ، فقال : فالحقّ أنّ ماهيّات الأشياء في
الذهن لمّا لم يظهر عنها آثارها ولم يصدر عنها احكامها أطلق القدماء عليها لفظ
(الأشباح) لأنّ شبح الشيء لا يصدر عنه أثر ذلك الشيء ، لا أنّهم قائلون بحصول
أشباح الأشياء في الذهن». راجع شوارق الإلهام ص ٥١ ـ ٥٢.
[٥] نُسب إلى جماعة
من الحكماء ، فراجع شرح المنظومة ص ٣١.