قد تقدّم [١] أنّ كلَّ جوهر مجرّد فهو لتمام ذاته
حاضرٌ لنفسه بنفسه وهويّتِهِ الخارجيّة ، فهو عالم بنفسه علماً حضوريّاً.
وهل يختصّ العلم الحضوريّ بعلم الشيء
بنفسه أو يعمّه وعلْمَ العلّة بمعلولها وعلْمَ المعلول بعلّته؟ ذهب المشاؤون إلى
الأوّل [٢]
، والإشراقيّون إلى الثاني [٣]
وهو الحقّ. وذلك لأنّ وجود المعلول وجودٌ رابطٌ بالنسبة إلى وجود علّته قائمٌ به
غيرُ مستقلٍّ عنه بوجه. فهو ـ أعني المعلول ـ حاضرٌ بتمام وجوده لعلّته غيرُ محجوب
عنها ، فهو بنفس وجوده معلوم لها علماً حضوريّاً إن كانا مجرّدين. وكذلك العلّة
حاضرةٌ بوجودها لمعلولها الرابط لها القائم بها المستقلّ بإستقلالها ، فهي معلومة
لمعلولها علْماً حضوريّاً إذا كانا مجرّدين ، وهو المطلوب.
وقد تقدّم [٤] أنّ كلَّ علْم حصوليٍّ ينتهي إلى علْم
حضوريّ. ومن العلم الحصوليّ ما ليس بين العالم والمعلوم علّيّة ولا معلوليّة ، بل
هما معلولا علّة ثالثة.
الفصل الثاني عشر
كلّ مجرّد فإنّه عقل وعاقل ومعقول
أمّا أنّه عقلٌ ، فلأنّه لتمام ذاته
وكونِهِ فعليّةٌ محضةٌ لا قوّة معها يمكن أن
[٢] راجع التحصيل ص
٥٧٤ ـ ٥٧٥ ، وشرح الإشارات ج ٣ ص ٣٠٤. ونَسَبه إليهم صدر المتألّهين في الأسفار ج
٦ ص ١٨٠ ، والشواهد الربوبيّة ص ٣٩. ونَسبه إليهم أيضاً الحكيم السبزواريّ في تعليقاته
على الأسفار ج ٦ ص ١٦٤ ، وانحصر نفسُه العلْمَ الحضوريّ في موردين : علم الشيء
بنفسه وعلم الشيء بمعلوله ، راجع تعليقاته على الأسفار ج ٦ ص ١٦٠ وص ٢٣٠. وامّا
انتساب هذا القول إلى أفلاطون أمرٌ خلاف الواقع ، كمافي الشواهدالربوبيّة ص ٥٥ ـ ٥٦.
[٣] راجع المطارحات
ص ٤٨٨ ، والتلويحات ص ٧٠ ـ ٧٤ ، وشرح حكمة الإشراق ص ٣٥٨ ـ ٣٦٦.