كمفهوم الكلّيّ
والجنس والفصل ، فلا يوجد في الخارج ، وإلاّ لانقلب. فهذه مفاهيم ذهنيّة معلومة ، لكنّها
مصداقاً إمّا خارجيّةٌ محضةٌ لا تدخل الذهن كالوجود وما يلحق به ، أو بطلان محض
كالعدم ، وإمّا ذهنيّةٌ محضةٌ لا سبيل لها إلى الخارج ، فليست بمنتزعة من الخارج ،
فليست بماهيّات موجودة تارةً بوجود خارجيٍّ واخرى ذهنيٍّ ، لكنّها منتزعة من
مصاديق ، بشهادة كونها علوماً حصوليّة لا تترتّب عليها الآثار فتنتزع من مصاديق في
الذهن. أمّا المعاني التي حيثيّةُ مصاديقها حيثيّةَ أنّها في الذهن ، فإنّه كان لأذهاننا
أن تأخذ بعض ما تنتزعه من الخارج ـ وهو مفهوم ـ مصداقاً ، تنظر إليه ، فيضطرّ
العقل إلى أن يعتبر له خواصّ تناسبه ، كما أن تنتزع مفهوم الإنسان من عدّة من
أفراد كزيد وعمرو وبكر وغيرهم فتأخذه وتنصبه مصداقاً وهو مفهوم ، تنظر فيما تحفُّه
من الخواصّ فتجده تمام ماهيّة المصاديق وهو النوع ، أو جزء ماهيّتها وهو الجنس أو
الفصل ، أو خارجاً مساوياً ، أو أعمّ وهو الخاصّة أو العرض العامّ ، وتجده تَقْبِل
الصدق على كثيرين وهو الكلّيّة ، وعلى هذا المنهج.
وأمّا المفاهيم التي حيثيّةُ مصاديقها
حيثيّةَ أنّها في الخارج أو ليست فيه ، فيشبه أن تكون منتزعةً من الحكم الذي في
القضايا الموجبة وعدمه في السالبة.
بيان ذلك : أنّ النفس عند أوّل ما تنال
من طريق الحسّ بعض الماهيّات المحسوسة أخذَتْ ما نالَتْه فاختزنَتْه في الخيال ، وإذا
نالَتْه ثانياً أو في الآن الثاني وأخذته للاختزان وجدَتْه عين ما نالَتْه أوّلا
ومنطبقاً عليه. وهذا هو الحمل الذي هو إتّحاد المفهومين وجوداً [١]. ثمّ إذا أعادَتْ النفسُ المفهومَ
مكرّراً بالاعادة بعد الإعادة ، ثمّ جعلَتْها واحداً كان ذلك حكماً منها وفعلا لها
، وهو مع ذلك مُحاك للخارج ، وفِعْلُهُ هذا نسبةٌ وجوديّة ووجودٌ رابطٌ قائم
بالطرفين إعتباراً.
ثمّ للنفس أن تتصوّر الحكمَ الذي هو
فِعْلُها ، وتنظر إليه نظراً إستقلاليّاً مضافاً إلى موصوفه بعد ما كان رابطاً ، فتتصوّر
وجودَ المفهوم ثمّ تُجرِّده فتتصوّر الوجودَ