وجوده إلى وجود
علّته. وقد تقدّم في مباحث العلّة والمعلول [١]
أنّ وجود المعلول بما أنّه مفتقر في حدّ ذاته وجودٌ رابطٌ بالنسبة إلى علّته ، لا
نفسيّةَ فيه ، وليس له إلاّ التقوّم بوجود علّته من غير أن يحمل عليه بشيء أو يحمل
به على شيء.
إذا تمهّد هذا ، ففيما كان العالم هو
العلّة والمعلوم هو المعلول كانت النسبة بينهما نسبة الرابط والمستقلّ النفسيّ ، وظاهرٌ
أنّ الموجود الرابط يأبى الموجوديّة لشيء لأنّها فرع الوجود في نفسه وهو موجودٌ في
غيره ، ومن شرط كون الشيء معلوماً أن يكون موجوداً للعالِم ، لكنّ المعلول رابط
متقوّم بوجود العلّة بمعنى ما ليس بخارج وليس بغائب عنها ، فكون وجوده للعلّة
إنّما يتمّ بمقوّمه الذي هو وجود العلّة ، فمعلوم العلّة هو نفسها بما تقوّم وجود
المعلول ، فالعلّة تعقل ذاتها والمعلول غير خارج منها لا بمعنى الجزئيّة والتركّب
، والحمل بينهما حمل المعلول متقوّماً بالعلّة على العلّة وهو نوعٌ من حمل
الحقيقةوالرقيقة.
ونظير الكلام يجري في العلم بالرابط ، فكلّ
معلوم رابط معلومٌ بالعلم بالمستقلّ الذي يتقوّم به ذاك الرابط.
وفيما كان العالم هو المعلول والمعلوم
هو العلّة ـ لمّا كان من الواجب وجود المعلوم للعالم ويستحيل في الوجود الرابط أن
يوجد له شيء ـ ، إنّما يتمّ وجود العلّه للمعلول بتقوّمه بالعلّة ، فالعلّة بنفسها
موجودة لنفسها ، والحال أنّ المعلول غير خارج منها ، عالمة بالعلّة نفسها ، ويُنسب
إلى المعلول بما أنّه غير خارج منها ، ولا ينال من العلم بها إلاّ ما يسعه من
وجوده ، والحمل بينهما حمل العلّة على المعلول متقوّماً بالعلّة ، والحمل أيضاً
نوعٌ من حمل الحقيقة والرقيقة.
فمآل علم المعلول بعلّته إلى علم العلّة
ـ وهي مأخوذة مع معلولها ـ بنفسها وهي مأخوذة وحدها ، ومآل علم العلّة بمعلولها
إلى علم العلّة ـ وهي مأخوذة في نفسها ـ بنفسها وهي مأخوذة مع معلولها.
وفيما كان العالم والمعلوم معلولَيْن
لعلّة ثالثة فليس المراد من اتّحاد العالم والمعلوم إنقلاب الشخصَيْن شخصاًواحداً
، بل انتزاع ماهيّتَيِ العالموالمعلوم من العالم.