في إتّحاد العالم بالمعلوم ، وهو المعنون عنه
باتّحاد العاقل بالمعقول [١]
علْمُ الشيء بالشيء هو حصول المعلوم ـ
أي الصورة العلميّة ـ للعالِم كما تقدّم [٢]
، وحصول الشيء وجوده ، ووجوده نفسه ، فالعلم هو عين المعلوم بالذات ، ولازِمُ حصول
المعلوم للعالِم وحضوره عنده إتّحاد العالِم به ، سواء كان معلوماً حضوريّاً أو
حصوليّاً. فإنّ المعلوم الحصوليّ إن كان أمراً قائماً بنفسه كان وجوده لنفسه وهو
مع ذلك للعالم فقد إتّحد العالم مع المعلوم ، ضرورةَ امتناع كون الشيء موجوداً
لنفسه ولغيره معاً ، وإن كان أمراً وجوده لغيره ـ وهو الموضوع ـ وهو مع ذلك للعالم
، فقد إتّحد العالم بموضوعه والأمر الموجود لغيره متّحدٌ بذلك الغير ، فهو متّحدٌ
بما يتّحد به ذلك الغير.
ونظير الكلام يجري في المعلوم الحضوريّ
مع العالم به.
فإن قلت : قد تقدّم في مباحث الوجود
الذهني [٣]
أنّ معنى كون العلم من مقولة
[١] والشيخ الرئيس
في أكثر كتبه نصّ على إبطال القول بإتّحاد العاقل بالمعقول ، كما في الفصل السادس
من المقاله الخامسة من الفن السادس من طبيعيات الشفاء ، وشرح الإشارات ج ٣ ص ٢٩٢ ـ
٢٩٣. ولكن قد قرّر هذا القول وأقام الحجّة عليه في كتاب المبدأ والمعاد ص ٦ ـ ١٠ ،
والرسالة العرشيّة ص ٨. وقال صدر المتألّهين ـ بعد التعرّض لما قال الشيخ الرئيس
في كتاب المبدأ والمعاد ـ : «ولستُ أدري هل كان ذلك على سبيل الحكاية لمذهبهم لأجل
غرض من الأغراض أو كان اعتقادياً له لاستبصار وقع له من إضائة نور الحق من افق
الملكوت». راجع الأسفار ج ٣ ص ٣٣٥. وأقول : الظاهر أنّه أراد أن يفرّق بين علم
الواجب بغيره وعلمنا بغيرنا ، بأنّ الإتّحاد مختصّ بعلم الواجب بغيره كما هو
الظاهر ممّا ذكره في المبدأ والمعاد والرسالة العرشية ، وأمّا في علمنا بغيرنا فلا
، كما هو الظاهر من كلامه في سائر كتبه. وصرّح باختصاص الإتّحاد بعلم الواجب بغيره
في التعليقات ص ١٥٩ ، حيث قال : «كلّ ما يعقل ذاته فإنّه هو العقل والعاقل
والمعقول ، وهذا الحكم لا يصحّ إلاّ في الأوّل». وقال أيضاً : «أمّا ما يقال انّا
إذا عقلنا شيئاً فانّا نصير ذلك المعقول فهو محال».