قد تقدّم [١] أنّ العدم لا شيئيّة له ، فهو محضُ
الهلاك والبطلان [٢].
وممّا يتفرّع عليه أن لا تمايزَ في
العدم [٣] ، إذ
التمايز بين شيئين إمّا بتمام الذات كالنوعين تحت مقولتين أو ببعض الذات كالنوعين
تحت مقولة واحدة أو بما يعرض الذات كالفردين من نوع ، ولا ذات للعدم.
نعم ، ربّما يضاف العدم إلى الوجود ، فيحصل
له حظٌّ من الوجود ويتبعه نوعٌ من التمايز ، كعدم البصر الذي هو العمى ، والمتميَّز
من عدم السمع الذي هو الصَمَم ، وكعدم زيد وعدم عمرو المتميَّز أحدُهما من الآخر.
وبهذا الطريق ينسب العقلُ إلى العدم
العليّةَ والمعلوليّةَ حذاءَ ما للوجود من ذلك ، فيقال : «عدم العلّة علّة لعدم
المعلول» حيث يضيف العدم إلى العلّة والمعلول فيتميّز العدمان ، ثمّ يبنى عدم
المعلول على عدم العلّة كما كان يتوقّف وجود المعلول على وجود العلّة [٤] ، وذلك نوعٌ من التجوّز [٥] ، حقيقته الإشارة إلى ما بين الوجودين
من التوقّف [٦].
ونظير العدمِ المضاف العدمُ المقيّد
بأيِّ قيد يقيّده كالعدم الذاتي والعدم الزّماني والعدم الأزلي. ففي جميع ذلك
يتصوّر مفهوم العدم ويفرض له مصداق على حدّ سائر المفاهيم ، ثمّ يقيّد المفهوم
فيتميّز المصداق ، ثمّ يحكم على المصداق على ما
[١] في الفرع الثامن
من الفروع المذكورة في الفصل الثاني.
[٢] راجع الأسفار ج
١ ص ٣٤٠ ـ ٣٤١ ، وكشف المراد ص ٢٩ ـ ٣٠.
[٣] راجع الأسفار ج
١ ص ٣٤٨ ، وشرح المنظومة ص ٤٧. خلافاً للمحقّق الطوسيّ حيث ذهب إلى تمايز الأعدام
، فراجع كشف المراد ص ٤٣ ، وشوارق الإلهام ص ٦٦ ـ ٦٧.
[٤] هذا أوّل الوجوه
التي استدلّ المحقّق الطوسيّ بها على تمايُز الأعدام ، فراجع كشف المراد ص ٤٣ ، وشوارق
الإلهام ص ٦٦ ـ ٦٧.