يشبه أن يكون أوّلُ ما عُرف من معنى
التقدّم والتأخّر ما كان منهما بحسب الحسّ ، كأن يُفرض مبدأٌ يشترك في النسبة إليه
أمران ، ما كان لأحدهما من النسبة إليه فللآخر ، وليس كلُّ ما كان للأوّل فهو
للثاني ، فيسمّى ما للأوّل من الوصف «تقدّماً» ، وما للثاني «تأخّراً» ، كمحراب
المسجد يفرض مبدأ فيشترك في النسبة إليه الإمام والمأموم ، فما للمأموم من نسبة
القُرب إلى المحراب فهو للإمام ، ولا عكس ، فالإمام متقدَّمٌ والمأموم متأخَّرٌ.
ومعلوم أنّ وصفَي التقدّم والتأخّر يختلفان باختلاف المبدأ المفروض ، كما أنّ
الإمام متقدَّمٌ والمأموم متأخَّرٌ في المثال المذكور على تقدير فَرْضِ المحراب
مبدأً ، ولو فُرض المبدأُ هو الباب كان الأمر بالعكس وكان المأموم متقدّماً
والإمام متأخّراً. ولا يتفاوت الأمر في ذلك أيضاً بين أن يكون الترتيب وضعيّاً
اعتباريّاً كما في المثال السابق ، أو طبعيّاً كما إذا فرضنا مثلا الجسم ثمّ
النبات ثمّ الحيوان ثمّ الإنسان ، فإن فرضنا المبدأ هو الجسم كان النبات متقدّماً
والحيوان متأخّراً ، وإن فرضنا المبدأ هو الإنسان كان الحيوان متقدّماً والنبات
متأخّراً ، ويسمّى هذا التقدّم والتأخّر : «تقدّماً وتأخّراً بحسب الرتبة».