اتّصال لم يتحقّق
البَعدُ فيما هو قبلُ وبالعكس ، بل انفصلا. وبالجملة لم يكن بين الجزئين من هذا
الكم حدٌّ مشتركٌ ، ولو لم يكن غيرَ قارٍّ لاجتمع ما هو قبلُ وما هو بعدُ بالفعل.
وإذ كان الكم عرضاً فله موضوع هو معروضه
، لكنّا كلّما رفعنا الحركة من المورد ارتفع هذا المقدار وإذا وضعناها ثبت ، وهذا
هو الذي نسمّيه «زماناً» ، فالزمان موجود ، وماهيّته أنّه مقدار متّصل غير قارٍّ
عارضٌ للحركة [١].
وقد تبيّن بما مرّ اُمور :
الأوّل
: أنّه لمّا كان كلّما وضعنا حركة أو
بدّلنا حركة من حركة ثبت هذا الكم المسمّى بالزمان ، ثبت أنّ لكلِّ حركة ـ أيّ
حركة كانت ـ زماناً خاصّاً بها ، متشخّصاً بتشخّصها ، مقدّراً لها ، وإن كنّا نأخذ
زمانَ بعض الحركات مقياساً نقدّر به حركات اُخرى ، كما نأخذ زمانَ الحركة اليوميّة
مقياساً نقدّر به الحركات الاُخرى التي تتضمّنها الحوادث الكونيّة الكلّيّة
والجزئيّة بتطبيقها على ما نأخذ لهذا الزمان من الأجزاء ، كالقرون والسنين والشهور
والأسابيع والأيّام والساعات والدقائق والثواني وغير ذلك.
الثاني
: أنّ نسبةَ الزمان إلى الحركة نسبةَ
الجسم التعليميّ إلى الجسم الطبيعيّ ، وهي نسبة المعيَّن إلى المبهم.
الثالث
: أنّه كما تنقسم الحركة إلى أقسام لها
حدودٌ مشتركةٌ وبينها فواصل غير موجودة إلاّ بالقوّة وهي الآنيّات ، كذلك الزمان
ينقسم إلى أقسام لها حدود
[١] اعلم أنّ الناس
قد اختلفوا في الزمان ، فمنهم مَن قال : «إنّه لا وجود له إلاّ بحسب الوهم» ، ومنهم
مَن قال : «إنّه جوهر مجرّد» ، ومنهم مَن قال : «إنّه واجب الوجود» ، ومنهم مَن
قال : «إنّه جوهر جسمانيٌّ هو الفلك الأعلى» ، ومنهم مَن قال : «انّه عرضٌ غير
قارٍّ». وتفصيل هذه المذاهب وأدلّتهم مذكور في المطوّلات ، فراجع الفصل العاشر
والفصل الحادي عشر من المقالة الثانية من الفن الأوّل من طبيعيات الشفاء ، والمباحث
المشرقيّة ج ١ ص ٦٤٢ ـ ٦٥٨ ، والأسفار ج ٣ ص ١٤١ ـ ١٤٨ ، وشرح الهداية الأثيريّة
لصدر المتألّهين ص ١٠٢ ـ ١١٠ ، وشرح عيون الحكمة ج ٢ ص ١١٩ ـ ١٢٣.