بسيطة لم تتألّف من
أجزاء ولم ينضمّ إليها ضميمة ، وتمتاز من غيرها بنفس ذاتها التي هي النّوريّة
المشتركة.
فالنور حقيقة واحدة بسيطة متكثّرة في
عين وحدتِها ، ومتوحّدة في عين كثرتها ، كذلك الوجود حقيقة واحدة ذاتُ مراتب
مختلفة بالشدّة والضعف والتقدّم والتأخّر والعلوّ والدنوّ وغيرها.
ويتفرّع على ما تقدّم اُمور :
الأمر
الأوّل : أنّ التمايز بين مرتبة من مراتب
الوجود ومرتبة اُخرى إنّما هو بنفس ذاتها البسيطة التي ما به الإشتراك فيها عين ما
به الإمتياز ، ولا ينافيه مع ذلك أنّ ينسب العقلُ التمايزَ الوجوديّ إلى جهة
الكثرة في الوجود دون جهة الوحدة ، ولا أن ينسب الإشتراكَ والسنخيّة إلى جهة
الوحدة.
الأمر
الثاني : أنّ بين مراتب الوجود إطلاقاً
وتقييداً بقياس بعضها إلى بعض ، لمكان ما فيها من الإختلاف بالشدّة والضعف ونحو
ذلك. وذلك أنّا إذا فرضنا مرتبتين من الوجود ضعيفةً وشديدةً ، وقع بينهما قياس
وإضافة بالضرورة ، وكان من شأن المرتبة الضعيفة أنّها لا تشتمل على بعض مّا
للمرتبة الشديدة من الكمال ، لكن ليس شيء من الكمال الذي في المرتبة الضعيفة إلاّ
والمرتبة الشديدة واجدة له. فالمرتبة الضعيفة كالمؤلّفة من وجدان وفقدان ، فذاتها
مقيّدةٌ بعدم بعض ما في المرتبة الشديدة من الكمال. وإن شئت فقل : «محدودةٌ». وأمّا
المرتبة الشديدة فذاتها مطلقةٌ غيرُ محدودة بالنسبة إلى المرتبة الضعيفة.
وإذا فرضنا مرتبةً اُخرى فوق الشديدة ، كانت
نسبةُ الشديدة إلى هذه التي فرضنا فوقها كنسبة التي دونها إليها ، وصارت الشديدة
محدودةً بالنسبة إلى ما فوقها كما كانت مطلقةً بالنسبة إلى ما دونها. وعلى هذا
القياس في المراتب الذاهبة إلى فوق حتّى تقف في مرتبة ليست فوقها مرتبةٌ ، فهي
المطلقة من غير أن تكون محدودة إلاّ بأنّها لا حدَّ لها [١].
[١] ولمّا كان الحدّ
في معنى السلب كان نفي الحدّ سلباً للسلب وهو الإيجاب ، فيؤول إلى محوضة الوجود
وهو الصرافة ـ منه (رحمه الله) ـ.