قد تقدّم [١] أنّ الحركة نحوُ وجود يخرج به الشيء من
القوّة إلى الفعل تدريجاً ، أي بحيث لا تجتمع الأجزاء المفروضة لوجوده.
وبعبارة اُخرى يكون كلُّ حدٍّ من حدود
وجوده فعليّةً للجزء السابق المفروض وقوّةً للجزء اللاحق المفروض ، فالحركة خروج
الشيء من القوّة إلى الفعل تدريجاً [٢].
وحَدَّها المعلّم الأوّل بـ
«أنّها كمالٌ أوّلُ لما بالقوّة من حيث إنّه بالقوّة» [٣]. وتوضيحه : أنّ الجسم المتمكّن في مكان
ـ مثلا ـ إذا قَصَدَ التمكّن في مكان آخر تُرَكَ المكان الأوّل بالشروع في السلوك
إلى المكان الثاني حتّى يتمكّن فيه؛ فللجسم ـ وهو في المكان الأوّل ـ ، كمالان هو [٤] بالنسبة إليهما بالقوّة؛ وهما السلوك
الذي هو كمالٌ أوّلُ والتمكّن في المكان الثاني الذي هو كمالٌ ثان؛ فالحركة ـ وهي
السلوك ـ كمالٌ أوّلُ للجسم الذي هو بالقوّة بالنسبة إلى الكمالين ، لكن لا مطلقاً
، بل من حيث إنّه بالقوّة بالنسبة إلى الكمال الثاني ، لأنّ السلوك متعلّقُ الوجود
به.
وقد تبيّن بذلك أنّ الحركة متعلّقةُ
الوجود بأُمور ستّة : (الأوّل) المبدأ ، وهو الذي منه الحركة. و (الثاني) المنتهى
، وهو الذي إليه الحركة ، فالحركة تنتهي من
[٢] والتدريج معنى
بديهيٌّ بإعانة الحس عليه. والتعريف ليس بحدٍّ حقيقيِّ ، لأنّ الحد للماهيّة ، والحركة
نحو وجود ، والوجود لا ماهية له ـ منه (رحمه الله) ـ.
[٣] نَسَبه إليه
الفخر الرازيّ في المباحث المشرقيّة ، وصدر المتألّهين في الأسفار. ونسَبه
العلاّمة إلى الحكماء ، ثمّ نسب القول بـ «أنّ الحركة هي حصول الجسم في مكان بعد
آخر» إلى المتكلّمين ، فراجع كشف المراد ص ٢٦١ ـ ٢٦٢. وفي المقام أقوال اُخر
مذكورة في المطوّلات ، فراجع الأسفار ج ٣ ص ٢٤ ـ ٣١ ، والمباحث المشرقيّة ج ١ ص
٥٤٩ ، والفصل الأوّل من المقالة الثانية من الفن الأوّل من طبيعيات الشفاء ، وشرح
المنظومة ص ٢٣٨ ـ ٢٣٩.