المتسخِّن ما دام
يتسخّن وتبرُّد المتبرِّد ما دام يتبرّد.
ومن خاصّة هاتين المقولتين : (أوّلا) : كما
يظهر من الأمثلة أنّهما تعرضان غيرهما من المقولات كالكيف والكم والوضع وغيرها.
و (ثانياً) : أنّ معروضَهما ـ من حيث هو
معروضٌ ـ لا يخلو عن حركة ، ولذا عُبّر عنهما بلفظ «أن يفعل» و «أن ينفعل»
الظاهرين في الحركة والتدرّج ، دون الفعل والإنفعال اللذَيْن ربّما يُستعملان في
التأثير والتأثّر الدفعيّ غير التدريجيّ [١].
وبالجملة المقولتان هيأتان عارضتان
لمعروضهما من جملة ماله من الحركة.
قال في الأسفار : «واعلم أنّ وجودَ كلٍّ
منهما في الخارج ليس عبارة عن نفس السلوك إلى مرتبة ، فإنّه بعينه معنى الحركة ، ولا
أيضاً وجودُ كلٍّ منهما وجودَ المقولات التي يقع بها التحريك والتحرّك ، كالكيف
مثل السواد ، والكم مثل مقدار الجسم النامي ، أو الوضع كالجلوس والإنتصاب ، ولا
غير ذلك.
بل وجودهما عبارة عن وجود شيء من هذه
المقولات ما دام يؤثِّر أو يتأثِّر ، فوجود السواد أو السخونة مثلا من حيث إنّه
سواد من باب مقولة الكيف ، ووجودُ كلٍّ منهما من حيث كونه تدريجيّاً يحصل منه
تدريجيٌّ آخر أو يحصل من تدريجيٍّ آخر هو من مقولة أن يفعل أو أن ينفعل.
وأمّا نفس سلوكه التدريجيّ ـ أي خروجه
من القوّة إلى الفعل ـ سواءٌ كان في جانب الفاعل أو في جانب المنفعل ، فهو عين
الحركة لا غير ، فقد ثبت نحو وجودهما في الخارج وعرضيّتهما» [٢] ـ إنتهى.
وأمّا الإشكال[٣] في وجود
المقولتَيْن بأنّ تأثير المؤثِّر يمتنع أن يكون وصفاً
[١] كذا قال الشيخ
الرئيس في الفصل السادس من المقالة السادسة من الفن الثاني من منطق الشفاء.
[٣] والمستشكل فخر
الدين الرازيّ في المباحث المشرقية ج ١ ص ٤٥٦ ـ ٤٥٧. وتعرّض له التفتازانيّ في شرح
المقاصد ج ١ ص ٢٨٥ ، وصدر المتألّهين في الأسفار ج ٤ ص ٢٢٥ ـ ٢٢٦ ، وشرحه للهداية
الأثيريّة ص ٢٧٥.