قد تقدم [١] أن القدرة ، كون الشيء مصدرا للفعل عن
علم ، ومن المعلوم أن الذي ، ينتهي إليه الموجودات الممكنة ، هو ذاته المتعالية ، إذ
لا يبقى وراء الوجود الممكن ، إلا الوجود الواجبي من غير قيد وشرط ، فهو المصدر
للجميع ، وعلمه عين ذاته ، التي هي المبدأ لصدور المعاليل الممكنة ، فله القدرة وهي
عين ذاته.
فإن قلت ، أفعال الإنسان الاختيارية
مخلوقة لنفس الإنسان ، لأنها منوطة باختياره ، إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل ، ولو
كانت مخلوقة لله سبحانه مقدورة له ، كان الإنسان مجبرا على الفعل لا مختارا فيه ، فأفعال
الإنسان الاختيارية خارجة عن تعلق القدرة ، فالقدرة لا تعم كل شيء.
قلت ليس معنى كون الفعل اختياريا ، تساوى
نسبته إلى الوجود والعدم حتى حين الصدور ، فمن المحال صدور الممكن ، من غير ترجح وتعين
لأحد جانبي وجوده وعدمه ، بل الفعل الاختياري لكونه ممكنا في ذاته ، يحتاج في وجوده
إلى علة تامة لا يتخلف عنها ، نسبته إليها نسبة الوجوب ، وأما نسبته إلى الإنسان
الذي هو جزء من أجزاء علته التامة ، فبالإمكان كسائر الأجزاء التي لها ، من المادة
القابلة وسائر الشرائط ، الزمانية والمكانية وغيرها.
فالفعل الاختياري لا يقع إلا واجبا
بالغير ، كسائر المعلولات ، ومن المعلوم أن الوجوب بالغير لا يتحقق ، إلا
بالانتهاء إلى واجب بالذات ، ولا واجب