اعلم أن المتكلمين قد
اختلفوا في الأحوال نفيا و إثباتا بعد أن أحدث أبو هاشم بن الجبائي رأيه فيها و ما
كانت المسألة مذكورة قبله أصلا فأثبتها أبو هاشم و نفاها أبوه الجبائي و أثبتها
القاضي أبو بكر الباقلاني رحمه اللّه بعد ترديد الرأي فيها على قاعدة غير ما ذهب إليه
و نفاها صاحب مذهبه الشيخ أبو الحسن الأشعري و أصحابه رضي اللّه عنهم و كان إمام
الحرمين من المثبتين في الأول و النافين في الآخر، و الأحرى بنا أن نبين أولا: ما
الحال التي توارد عليها النفي و الإثبات، و ما مذهب المثبتين فيها، و ما مذهب
النافين، ثم نتكلم في أدلة الفريقين، و نشير إلى مصدر القولين و صوابهما من وجه و
خطئهما من وجه.
أما بيان الحال و ما هو:
اعلم أنه ليس للحال حد حقيقي يذكر حتى نعرفها بحدها و حقيقتها على وجه يشمل جميع
الأحوال، فإنه يؤدي إلى إثبات الحال للحال بل لها ضابط و حاصر بالقسمة و هي تنقسم إلى
ما يعلل و إلى ما لا يعلل و ما يعلل فهي أحكام لمعان قائمة بذوات و ما لا يعلل فهو
صفات ليس أحكاما للمعاني.
أما الأول: فكل حكم لعلة
قامت بذات يشترط في ثبوتها الحياة عند أبي هاشم ككون الحي حيا عالما قادرا مريدا
سميعا بصيرا لأن كونه حيا عالما يعلل بالحياة و العلم في الشاهد فتقوم الحياة بمحل
و توجب كون المحل حيا و كذلك العلم و القدرة و الإرادة و كل ما يشترط في ثبوته
الحياة و تسمى هذه الأحكام أحوالا و هي صفات زائدة على المعاني التي أوجبتها و عند
القاضي رحمه اللّه كل صفة لموجود لا تتصف بالوجود فهي حال سواء كان المعنى الموجب
مما يشترط في ثبوته الحياة أو لم يشترط ككون الحي حيا و عالما و قادرا و كون
المتحرك متحركا و الساكن ساكنا و الأسود و الأبيض إلى غير ذلك و لابن الجبائي في
المتحرك اختلاف رأي و ربما يطرد ذلك في الأكوان كلها و لما كانت البنية عنده شرطا
في المعاني التي تشترط في ثبوتها الحياة و كانت البينة في أجزائها
[1] انظر: غاية المرام
في علم الكلام للآمدي (ص 36)، و التعريف لمذهب أهل التصوف للكلاباذي (ص 89، 111) و
بيان تلبيس الجهمية لابن تيمية (1/ 533)، و المواقف للإيجي (2/ 235، 245)، و
الغنية في أصول الدين لأبي سعيد النيسابوري (ص 107)، و الرد على القائلين بوحدة
الوجود للقارئ (ص 85)، و نعمة الذريعة في نصرة الشريعة (ص 73).