و فيها الرد على الثنوية و
تستدعي هذه المسألة سبق ذكر الوحدانية و معنى الواحد.
قال أصحابنا: الواحد هو
الشيء الذي لا يصح انقسامه إذ لا تقبل ذاته القسمة بوجه و لا تقبل الشركة بوجه
فالباري تعالى واحد في ذاته لا قسم له و واحد في صفاته لا شبيه له و واحد في
أفعاله لا شريك له و قد أقمنا الدلالة على انفراده بأفعاله فلنقم الدلالة على
انفراده بذاته و صفاته.
و قالت الفلاسفة: واجب
الوجود بذاته لا يجوز أن يكون أجزاء كمية و لا أجزاء حد قولا و لا أجزاء ذات فعلا
و وجودا و واجب الوجود لن يتصور إلا واحدا من كل وجه، فلا يتصور و لا يتحقق
موجودان كل واحد منهما واجب بذاته، و عن هذا نفوا الصفات و إن أطلقوها عليه فبمعنى
آخر كما سنذكره.
و وافقهم المعتزلة على ذلك
غير أنهم مختلفون في التفصيل و سنفرد لإثبات الصفات مسألة و نذكر المذهبين فيها و
هذه المسألة مقصورة على استحالة وجود الإلهين يثبت لكل واحد منهما من خصائص
الإلهية ما يثبت للثاني و لست أعرف صاحب مقالة صار إلى هذا المذهب لأن الثنوية و
إن صارت إلى إثبات قديمين لم تثبت لأحدهما ما ثبت للثاني من كل وجه و الفلاسفة، و
إن قضوا بكون العقل و النفس أزليين و قضوا بكون الحركات سرمدية لم يثبتوا للمعلول
خصائص العلة كيف و أحدهما علة و الثاني معلول و الصابئة و إن أثبتوا كون
الروحانيين و الهياكل أزلية سرمدية مدبرة لهذا العالم و سموها أربابا و آلهة فلم
يثبتوا فيها خصائص رب الأرباب و دلالة التمانع في القرآن مسرودة على من يثبت خالقا
من دون اللّه سبحانه و تعالى قال اللّه تعالى:
إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ [المؤمنون: 91] و
عن هذا صار أبو الحسن رحمه اللّه إلى أن أخص وصف الإله هو القدرة على الاختراع فلا
يشاركه فيه غيره و من أثبت فيه شركة فقد أثبت إلهين.
[1] انظر: المقصد
الأسنى للغزالي (ص 133)، و تلبيس الجهمية لابن تيمية (1/ 465، 466، 469)، و
المواقف للإيجي (2/ 231)، و معنى لا إله إلا اللّه للزركشي (ص 90).