نام کتاب : المحجة البيضاء نویسنده : الفيض الكاشاني جلد : 8 صفحه : 364
و تركتم للنّاس و لم
تتركوا لي فاليوم أذيقكم العذاب الأليم مع ما حرّمتكم من الثواب المقيم[1]».
و قال عيسى عليه
السّلام: كم من جسد صحيح و وجه صبيح و لسان فصيح غدا بين أطباق النّار يصيح، فانظر
يا مسكين في هذه الأهوال و اعلم أنّ اللّه تعالى خلق النّار بأهوالها و خلق لها
أهلا لا يزيدون و لا ينقصون و أنّ هذا أمر قد قضى و فرغ منه، قال اللّه تعالى: «وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَ
هُمْ فِي غَفْلَةٍ[2]»
و لعمري الإشارة به إلى يوم القيامة و لكن ما قضي الأمر يوم القيامة بل في أزل الآزال
و لكن أظهر يوم القيامة ما سبق به القضاء، فالعجب منك حيث تضحك و تلهو و تشتغل
بمحقّرات الدّنيا و لست تدري أنّ القضاء بما ذا سبق في حقّك، فإن قلت: ليت شعري ما
ذا موردي و إلى ما ذا مآلي و مرجعي، و بما الّذي سبق به القضاء في حقّي؟؟؟
فلك علامة تستأنس بها و تصدّق
رجاؤك بسببها و هي أن تنظر إلى أحوالك و أعمالك فإنّ كلاّ ميسّر لما خلق له، فإن
كان قد يسّر لك سبيل الخير فأبشر فإنّك مبعد عن النّار، و إن كنت لا تقصد خيرا
إلّا و تحيط بك العوائق فتدفعه و لا تقصد شرّا إلّا و يتيسّر لك أسبابه فاعلم أنّك
مقضيّ عليك، فإنّ دلالة هذا على العاقبة كدلالة المطر على النبات و دلالة الدّخان
على النّار فقد قال اللّه تعالى: «إِنَّ الْأَبْرارَ
لَفِي نَعِيمٍ. وَ إِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ[3]» فأعرض نفسك على الآيتين و قد عرفت مستقرّك من الدّارين.
(القول في صفة الجنّة و
أصناف نعيمها)
اعلم أنّ تلك الدّار
الّتي عرفت غمومها و همومها و شرورها يقابلها دار أخرى فتأمّل نعيمها و سرورها
فإنّ من بعد من إحداهما استقرّ لا محالة في الأخرى فاستثر الخوف من قلبك بطول
الفكر في أهوال الجحيم، و استثر الرّجاء بطول الفكر في
[1] قال العراقي:
رويناه في الأربعين لابي هدبة عن أنس، و أبو هدبة إبراهيم بن هدبة هالك.