نام کتاب : المحجة البيضاء نویسنده : الفيض الكاشاني جلد : 8 صفحه : 180
طابت، فإيّاك أن تتدلّى
بحبل غرورها و تنخدع بتزويرها و قل لها: أ رأيت لو هجم سيل جارف يغرق أهل البلد و
ثبتوا على مواضعهم و لم يأخذوا حذرهم لجهلهم بحقيقة الحال و قدرت على أن تفارقيهم
و تركبي سفينة تنجو بها من الغرق فهل يختلج في نفسك أنّ المصيبة إذا عمّت طابت أم
تتركين موافقتهم و تستجهليهم في صنيعهم و تأخذين حذرك ممّا دهاك فإذا كنت تتركين
موافقتهم خوفا من الغرق و عذاب الغرق لا يكون إلّا ساعة فكيف لا تهربين من عذاب
الأبد و أنت متعرّضة له في كلّ حال و من أين تطيب المصيبة إذا عمّت و لأهل النّار
شغل شاغل عن الالتفات إلى العموم و الخصوص و لم يهلك الكفّار إلّا بموافقة أهل
زمانهم حيث قالوا: «إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَ إِنَّا عَلى
آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ» فعليك إذا اشتغلت بمعاتبة نفسك أن
تعمد على الاجتهاد و إن استعصت فلا تترك معاتبتها و توبيخها و تقريعها و تعريفها
سوء نظرها لنفسها فعساها تنزجر عن طغيانها.
(المرابطة السادسة في
توبيخ النّفس و معاتبتها)
اعلم أنّ أعدى عدوّك
نفسك الّتي هي بين جنبيك و قد خلقت أمّارة بالسّوء ميّالة إلى الشرّ فرّارة من
الخير و أمرت بتزكيتها و تقويمها و قودها بسلاسل القهر إلى عبادة ربّها و خالقها و
بمنعها عن شهواتها و فطامها عن لذّاتها فإن أهملتها شردت و جمحت و لم تظفر بها بعد
ذلك و إن لازمتها بالتوبيخ و المعاتبة و العذل و الملامة كانت نفسك هي النفس اللّوامة
الّتي أقسم اللّه بها و رجوت أن تصير النفس المطمئنّة المدعوّة إلى أن تدخل في
زمرة عباد اللّه راضية مرضيّة فلا تغفلنّ ساعة عن تذكيرها و معاتبتها و لا تشتغلنّ
بوعظ غيرك ما لم تشتغل أوّلا بوعظ نفسك.
أوحى اللّه تعالى إلى
عيسى عليه السّلام «يا ابن مريم عظ نفسك فإن اتّعظت فعظ الناس و إلّا فاستحي منّي»
و قال تعالى: «وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ»[1] و سبيلك أن تقبل عليها فتقرّر عندها
جهلها و غباوتها فإنّها أبدا تتعزّز بفطنتها و هدايتها و تشتدّ أنفتها و استنكافها
إذا نسبت إلى الحمق فتقول لها يا نفس ما أعظم جهلك