responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المحجة البيضاء نویسنده : الفيض الكاشاني    جلد : 7  صفحه : 5

(بيان حقيقة التوبة و حدها)

اعلم أنّ التوبة عبارة عن معنى ينتظم و يلتئم من ثلاثة أمور مرتّبة: علم و حال و فعل، فالعلم أوّل و الحال ثان و الفعل ثالث، و الأوّل موجب للثاني و الثّاني موجب للثالث إيجابا اقتضاه اطّراد سنّة اللّه في الملك و الملكوت، أمّا العلم فهو معرفة عظم ضرر الذّنوب و كونها حجابا بين العبد و بين كلّ محبوب فإذا عرف ذلك معرفة محقّقة بيقين غالب على قلبه ثار من هذه المعرفة تألّم للقلب بسبب فوات المحبوب، فإنّ القلب مهما شعر بفوات محبوبه تألّم، فإن كان فواته بفعله تأسّف على الفعل المفوت فيسمّى تألّمه بسبب فعله المفوت لمحبوبه ندما، فإذا غلب هذا الألم على القلب و استولى انبعث من هذا الألم في القلب حالة أخرى تسمّى إرادة و قصدا إلى فعل له تعلّق بالحال و بالماضي و الاستقبال، أمّا تعلّقه بالحال فبالترك للذّنب الّذي كان ملابسا له، و أمّا بالاستقبال فبالعزم على ترك الذّنب المفوت للمحبوب إلى آخر العمر، و أمّا بالماضي فبتلافي ما فات بالجبر و القضاء إن كان قابلا للجبر، فالعلم هو الأوّل و هو مطلع هذه الخيرات، و أعني بهذا العلم الإيمان و اليقين، فإنّ الايمان عبارة عن التصديق بأنّ الذّنوب سموم مهلكة، و اليقين عبارة عن تأكّد هذا التّصديق و انتفاء الشكّ عنه و استيلائه على القلب، فيثمر نور هذا الايمان مهما أشرق على القلب نار النّدم فيتألّم به القلب حيث يبصر بإشراق نور الإيمان أنّه صار محجوبا عن محبوبه كمن يشرق عليه نور الشمس و قد كان في ظلمة فيسطع النور عليه بانقشاع سحاب أو انحسار حجاب فرأى محبوبه و قد أشرف على الهلاك فتشتعل نيران الحبّ في قلبه فتنبعث تلك النيران بإرادته للانتهاض للتدارك، فالعلم و الندم و القصد المتعلّق بالترك في الحال و الاستقبال و التّلافي للماضي ثلاثة معان مرتّبة في الحصول يطلق اسم التوبة على مجموعها، و كثيرا ما يطلق اسم التوبة على معنى النّدم وحده و يجعل العلم كالسابق و المقدّمة و الترك كالثمرة و التابع المتأخّر، و بهذا الاعتبار قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«النّدم توبة» [1] إذ لا يخلو الندم عن علم أوجبه و أثمره و عن عزم يتبعه و يتلوه‌


[1] أخرجه ابن ماجه تحت رقم 4252. و الحاكم ج 4 ص 243 و صحح اسناده.

المحجة البيضاء، جلد7، ص: 6

فيكون الندم محفوفا بطرفيه أعنى ثمرته و مثمره.

(بيان وجوب التوبة و فضلها)

اعلم أنّ وجوب التوبة ظاهر بالأخبار و الآيات[1]و هو واضح بنور البصيرة عند من انفتحت بصيرته و شرح اللّه بنور الإيمان صدره حتّى اقتدر على أن يسعى بنوره الّذي بين يديه في ظلمات الجهل مستغنيا عن قائد يقوده في كلّ خطوة، فالسالك إمّا أعمى لا يستغني عن القائد في كلّ خطوة، و إمّا بصير يهدى إلى أوّل الطريق ثمّ يهتدي بنفسه، و كذلك الناس في طريق الدّين ينقسمون هذا الانقسام، فمن قاصر لا يقدر على مجاوزة التقليد في خطوه فيفتقر إلى أن يسمع في كلّ قدم نصّا من كتاب اللّه أو سنّة رسوله، و ربّما يعوزه ذلك فيتحيّر، فسير هذا و إن طال عمره و عظم جدّه مختصر و خطاه قاصرة، و من سعيد شرح اللّه صدره للاسلام فهو على نور من ربّه يتنبّه بأدنى إشارة لسلوك طرق معوصة و قطع عقبات متعبة، فيشرق في قلبه نور القرآن و نور الإيمان و هو لشدّة نور باطنه يجتزئ بأدنى بيان، و كأنّه يكاد زيته يضي‌ء و لو لم تمسسه نار فإذا مسّته نار فهو نور على نور يهدي اللّه لنوره من يشاء، فهذا لا يحتاج إلى نصّ منقول في كلّ واقعة فمن هذا حاله إذا أراد أن يعرف وجوب التوبة فينظر أوّلا بنور البصيرة إلى التوبة ما هي ثمّ إلى الوجوب ما معناه، ثمّ يجمع بين معنى الوجوب و التوبة، فلا يشكّ في ثبوته لها و ذلك بأن يعلم بأنّ معنى الواجب ما هو واجب في الوصول إلى سعادة الأبد و النجاة من هلاك الأبد، فإنّه لو لا تعلّق السعادة و الشقاوة بفعل الشي‌ء و تركه لم يكن لوصفه بكونه واجبا معنى، و قول القائل صار واجبا بالإيجاب حديث محض، فإنّ ما لا غرض لنا عاجلا و آجلا في فعله و تركه فلا معنى لاشتغالنا به أوجبه علينا غيرنا أو لم يوجبه، فإذا عرف معنى الوجوب و أنّه الوسيلة إلى سعادة الأبد و علم أنّه لا سعادة في دار البقاء إلّا


[1] راجع الدر المنثور ج 5 ص 44 ذيل قوله تعالى‌ «تُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ». و تفسير البرهان ج 4 ص 355 ذيل قوله تعالى‌ «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً» و الكافي باب التوبة ج 2 ص 431.

المحجة

نام کتاب : المحجة البيضاء نویسنده : الفيض الكاشاني    جلد : 7  صفحه : 5
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست