responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المحجة البيضاء نویسنده : الفيض الكاشاني    جلد : 7  صفحه : 409

إشارة إلى الدّرجة الثانية، و سئل عن أعلاه فلم يذكره و قال: لا يعرفه إلّا من بلغ أوسطه. الثالثة و هي أعلاها أن يكون بين يدي اللّه في حركاته و سكناته مثل الميّت بين يدي الغاسل لا يفارقه إلّا في أنّه يرى نفسه ميّتا و تحرّكه القدرة الأزليّة كما تحرّك يد الغاسل الميّت، و هو الّذي قوي يقينه بأنّه مجرى الحركة و القدرة و الإرادة و العلم و سائر الصفات و أنّ كلّه يحدث جبرا فيكون بائنا عن الانتظار لما يجري عليه و يفارق الصبيّ فإنّ الصبيّ يفزع إلى أمّه و يصيح و يتعلّق بذيلها و يعدو خلفها، بل مثال هذا مثال صبيّ علم أنّه و إن لم يزعق بامّه فالامّ تطلبه، و إن لم يتعلّق بذيل امّه فالامّ تحمله، و إن لم يسأل اللّبن فالامّ تفاتحه و تسقيه، و هذا المقام في التوكّل يثمر ترك الدّعاء و السؤال منه ثقة بكرمه و عنايته و أنّه يعطي ابتداء أفضل و أكثر ممّا يسأل، فكم من نعمة ابتدأها قبل الدّعاء و قبل الاستحقاق، و المقام الثاني لا يقتضي ترك الدّعاء و السؤال منه و إنّما يقتضي ترك السؤال من غيره فقطّ.

فإن قلت: فهذه الأحوال هل يتصوّر وجودها؟ فاعلم أنّ ذلك ليس بمحال و لكنّه عزيز نادر و المقام الثاني و الثالث أعزّها، و الأوّل أقرب إلى الإمكان، ثمّ إذا وجد الثالث و الثاني فدوامه أبعد منه بل يكاد لا يكون المقام الثالث إلّا كصفرة الوجل فإنّ انبساط القلب إلى ملاحظة الحول و القوّة و الأسباب طبع و انقباضه عارض كما أنّ انبساط الدّم في جميع الأطراف طبع و انقباضه عارض و الوجل عبارة عن انقباض الدّم عن ظاهر البشرة إلى الباطن حتّى تنمحى عن ظاهر البشرة الحمرة الّتي كانت تتراءى من وراء الرّقيق من ستر البشرة فإنّ البشرة ستر رقيق تتراءى من ورائه حمرة الدّم فانقباضه يوجب الصفرة و ذلك لا يدوم فكذلك انقباض القلب بالكلّية عن ملاحظة الحول و القوّة و سائر الأسباب الظاهرة لا يدوم، و أمّا المقام الثاني فيشبه صفرة المحموم فإنّه قد يدوم يوما و يومين و الأوّل يشبه صفرة مريض استحكم مرضه فلا يبعد أن يدوم و لا يبعد أن يزول.

فإن قلت: فهل يبقى مع العبد تدبير و تعلّق بالأسباب في هذه الأحوال؟

فاعلم أنّ المقام الثالث ينفي التدبير رأسا ما دامت الحالة باقية بل يكون صاحبها كالمبهوت‌

المحجة البيضاء، جلد7، ص: 410

و المقام الثاني ينفي كلّ تدبير إلّا من حيث الفزع إلى اللّه بالدّعاء و الابتهال كتدبير الطفل في التعلّق بامّه فقطّ. و المقام الأوّل لا ينفي أصل التدبير و الاختيار و لكن ينفي بعض التدبيرات كالمتوكّل على وكيله في الخصومة فإنّه يترك تدبيره من غير جهة الوكيل، و لكن لا يترك التدبير الّذي أشار إليه وكيله به. أو التدبير الّذي عرفه من عادته و سنّته دون تصريح إشارته، فأمّا الّذي يعرفه بإشارته بأن يقول له: لست أتكلّم إلّا في حضورك فيشتغل لا محالة بالتّدبير للحضور و لا يكون هذا مناقضا توكّله عليه إذ ليس هو فزعا منه إلى حول نفسه و قوّته في إظهار الحجّة و إلى حول غيره، بل من تمام توكّله عليه أن يفعل ما رسمه له إذ لو لم يكن متوكّلا عليه و لا معتمدا له في قوله لما حضر بقوله، و أمّا المعلوم بعادته و اطّراد سنّته فهو أن يعلم من عادته أنّه لا يحاجّ الخصم إلّا من السجلّ فتمام توكّله إن كان متوكّلا عليه أن يكون معوّلا على سنّته و عادته و وافيا بمقتضاها و هو أن يحمل السجلّ مع نفسه إليه عند مخاصمته فإذن لا يستغنى عن التدبير في الحضور و عن التدبير في إحضار السجلّ و لو ترك شيئا من ذلك كان نقصا في توكّله فكيف يكون فعله نقصا فيه نعم بعد أن حضره وفاء بإشارته و أحضر السجلّ وفاء بسنّته و عادته و قعد ناظرا إلى محاجّته فقد ينتهي إلى المقام الثاني و الثالث في حضوره حتّى يبقى كالمبهوت المنتظر لا يفزع إلى حوله و قوّته إذ لم يبق له حول و لا قوّة و قد كان فزعه إلى حوله و قوّته في الحضور و إحضار السجلّ بإشارة الوكيل و سنّته و قد انتهى إلى نهايته فلم يبق إلّا طمأنينة النفس و الثقة بالوكيل و الانتظار لما يجري و إذا تأمّلت هذا اندفع عنك كلّ إشكال في التوكّل و فهمت أنّه ليس من شرط التوكّل ترك كلّ تدبير و عمل و أنّ كلّ تدبير و عمل لا يجوز أيضا مع التوكيل بل هو على الانقسام و سيأتي تفصيله في الأعمال فإذن فزع المتوكّل إلى حوله و قوّته في الحضور و الإحضار لا يناقض التوكّل، لانّه يعلم أنّه لو لا الوكيل لكان حضوره و إحضاره باطلا و تعبا محضا بلا جدوى، فإذن لم يصر مفيدا من حيث إنّه حوله و قوّته، بل من حيث إنّ الوكيل جعله معتمدا لمحاجّته و عرفه ذلك بإشارته و سنّته فإذن لا حول و لا قوّة إلّا بالوكيل، إلّا أنّ هذه الكلمة لا يكمل معناها في حقّ الوكيل لأنّه ليس‌

المحجة

نام کتاب : المحجة البيضاء نویسنده : الفيض الكاشاني    جلد : 7  صفحه : 409
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست