و كما أنّه قد ينكشف في النوم ما سيكون في
المستقبل و ذلك بسبب خفّة اشغال الدّنيا عن القلب فكذلك ينكشف في سكرات الموت بعض
الأمور إذ شواغل الدّنيا و شهوات البدن هي المانعة للقلب من أن ينظر إلى الملكوت
فيطالع ما في اللّوح المحفوظ لتنكشف له الأمور على ما هي عليه فيكون مثل هذه
الحالة سببا للكشف و يكون الكشف سبب الشكّ في بقيّة الاعتقادات، و كلّ من اعتقد في
اللّه تعالى و في صفاته و أفعاله شيئا على خلاف ما هو به إمّا تقليدا و إمّا نظرا
بالرأي و المعقول فهو في هذا الخطر، و الزّهد و الصلاح لا يكفي لدفع هذا الخطر بل
لا ينجي منه إلّا الاعتقاد الحقّ، و البله بمعزل عن هذا الخطر أعني الّذين آمنوا
باللّه و رسوله و اليوم الآخر إيمانا مجملا راسخا كالأعراب و السوادية و سائر
العوام الّذين لم يخوضوا في البحث و النظر و لم يشرعوا في الكلام استقلالا و لا
أصغوا إلى أصناف المتكلّمين في تقليد أقاويلهم المختلفة و لذلك قال صلّى اللّه
عليه و آله و سلّم: «أكثر أهل الجنّة البله»[1]و لذلك منع السلف من البحث و النظر
و الخوض في الكلام و التفتيش عن هذه الأمور و أمروا الخلق أن يقتصروا على أن
يؤمنوا بما أنزل اللّه جميعا و بكلّ ما جاء من الظواهر مع اعتقاد نفي التشبيه و
منعوهم عن الخوض في التأويل لأنّ الخطر في البحث عن الصفات عظيم و عقباته كئودة و
مسالكه وعرة، و العقول عن درك جلال اللّه قاصرة، و هداية اللّه بنور اليقين عن
القلوب بما جبلت عليه من حبّ الدّنيا محجوبة، و ما ذكره الباحثون ببضاعة عقولهم
مضطرب و متعارض و القلوب لما القي إليها من مبدأ النشوء آلفة و به متعلّقة و
التعصّبات الثائرة بين الخلق مسامير مؤكّدة للعقائد الموروثة أو المأخوذة بحسن
الظنّ من المعلّمين في أوّل الأمر، ثمّ الطباع بحبّ الدّنيا مشعوفة و عليها
[1] أخرجه ابن شاهين في الافراد و ابن
عساكر عن جابر بسند ضعيف هكذا «دخلت الجنة فإذا أكثر أهلها البله». و رواه البزار
و قد تقدم.