نام کتاب : المحجة البيضاء نویسنده : الفيض الكاشاني جلد : 6 صفحه : 291
معرفته فيتّقيه فالموفّق من العباد من عرف
مداخل الآفات و الفساد فأخذ منها حذره، و بني على الحزم و البصيرة أمره.
و نحن نشرح أجناس مجاري الغرور و أصناف
المغترّين من العلماء و الصالحين الّذين اغترّوا بمبادي الأمور الجميلة ظواهرها،
القبيحة سرائرها، و نشير إلى وجه اغترارهم بها و غفلتهم عنها فإنّ ذلك و إن كان
أكثر من أن يحصى و لكن يمكن التنبيه على أمثلة تغني عن الاستقصاء. و فرق المغترّين
كثيرة و لكن يجمعهم أربعة أصناف: الصنف الأوّل من العلماء، الصنف الثاني من
العبّاد، الصنف الثالث من المتصوّفة، الصنف الرّابع من أرباب الأموال، و المغترّون
من كلّ صنف فرق كثيرة و جهات غرورهم مختلفة فمنهم من رأى المنكر معروفا كالّذي
يتّخذ المساجد و يزخرفها من المال الحرام، و منهم من لم يميّز بين ما يسعى فيه
لنفسه و بين ما يسعى فيه للَّه كالواعظ الّذي غرضه القبول و الجاه، و منهم من يترك
الأهمّ و يشتغل بغيره، و منهم من يترك الفرض و يشتغل بالنافلة، و منهم من يترك
اللّباب و يشتغل بالقشر كالّذي يكون همّه في الصلاة مقصورا على تصحيح مخارج
الحروف، إلى غير ذلك من المداخل الّتي لا تتّضح إلّا بتفصيل الفرق و ضرب الأمثلة و
لنبدأ أوّلا بذكر غرور العلماء و لكن بعد بيان ذمّ الغرور و بيان حقيقته و أمثلته.
(بيان ذم الغرور و حقيقته و أمثلته)
اعلم أنّ قوله تعالى: فَلا
تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ[1].
و قوله عزّ و جلّ: وَ لكِنَّكُمْ
فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَ تَرَبَّصْتُمْ وَ ارْتَبْتُمْ وَ غَرَّتْكُمُ
الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَ غَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ[2] كاف في
ذمّ الغرور.
و قد قال النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و
سلّم: «حبّذا نوم الأكياس و فطرهم كيف يغبنون سهر الحمقى و اجتهادهم، و لمثقال
ذرّة من صاحب تقوى و يقين أفضل من ملء الأرض من المغترّين»[3].
[3] أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب اليقين
من قول أبي الدرداء بنحوه و في بعض الروايات أبي الورد موضع أبي الدرداء و قال
العراقي: لم أجده مرفوعا.
المحجة البيضاء،
جلد6، ص: 292
و قال صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم:
«الكيّس من دان نفسه و عمل لما بعد الموت، و الاحمق من أتبع نفسه هواها و تمنّى
على اللَّه الأمانيّ»[1].
و كلّ ما ورد في فضل العلم و ذمّ الجهل فهو
دليل على ذمّ الغرور لأنّ الغرور عبارة عن بعض أنواع الجهل إذ الجهل هو أن يعتقد
الشيء و يراه على خلاف ما هو به، و الغرور هو الجهل إلّا أنّ كلّ جهل ليس بغرور
بل يستدعي الغرور مغرورا فيه مخصوصا، و مغرورا به و هو الّذي يغرّه، فمهما كان
المجهول المعتقد شيئا يوافق الهوى و كان السبب الموجب للجهل شبهة و مخيلة فاسدة
يظنّ أنّها دليل و لا يكون دليلا سمّي الجهل الحاصل به غرورا، فالغرور هو سكون
النفس إلى ما يوافق الهوى و يميل إليه الطبع عن شبهة و خدعة من الشيطان، فمن اعتقد
أنّه على خير إمّا في العاجل أو في الآجل عن شبهة فاسدة فهو مغرور، و أكثر الناس
يظنّون بأنفسهم الخير و هم مخطئون فيه فأكثر الناس إذا مغرورون و إن اختلفت أصناف
غرورهم و اختلفت درجاتهم حتّى كان غرور بعضهم أظهر و أشدّ من بعض، و أظهرها و
أشدّها غرورا غرور الكفّار و غرور العصاة و الفسّاق، فنورد هاهنا أمثلة لحقيقة
الغرور.
المثال الأوّل غرور الكفّار
فمنهم من غرّته الحياة الدّنيا، و منهم من
غرّه باللَّه الغرور، أمّا الّذين غرّتهم الحياة الدّنيا فهم الّذين قالوا: النقد
خير من النسيئة و الدّنيا نقد و الآخرة نسيئة فاذن هي خير فلا بدّ من إيثارها. و
قالوا: اليقين خير من الشكّ و لذّات الدّنيا يقين و لذّات الآخرة شكّ فلا يترك
اليقين بالشكّ. فهذه أقيسة فاسدة يشبه قياس إبليس حيث قال: «أَنَا خَيْرٌ
مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ»* و إلى هؤلاء
الإشارة بقوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا
بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ[2] و علاج
هذا الغرور إمّا بتصديق الإيمان و إمّا بالبرهان، أمّا التصديق بمجرّد الإيمان فهو
أن يصدّق اللَّه تعالى في قوله:
[1] أخرجه الترمذي و الحاكم و أحمد و ابن
ماجه تحت رقم 4260 من حديث شداد ابن اوس بسند صحيح.