نام کتاب : المحجة البيضاء نویسنده : الفيض الكاشاني جلد : 5 صفحه : 49
فليتعوّذ باللّه من الشيطان ثمّ تلا
الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ- الآية»[1] و قال بعض
السلف:
إنّما هما همّان يجولان في القلب همّ من
اللّه و همّ من العدوّ فرحم اللّه عبدا وقف عند همّه فما كان من اللّه أمضاه و ما
كان للعدوّ جاهده، و لتجاذب القلب بين هاتين اللّمّتين قال رسول اللّه صلّى اللّه
عليه و آله و سلّم: «قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرّحمن»[2] و اللّه
سبحانه و تعالى منزّه أن يكون له أصبع مركّبة من لحم و دم و عظم تنقسم بالأنامل، و
لكن روح الإصبع سرعة التقليب و القدرة على التحريك و التغيير، فإنّك لا تريد أصبعك
لشخصها بل لفعلها في التقليب و الترديد، و كما أنّك تتعاطى الأفعال بأصابعك فاللّه
تعالى إنّما يفعل ما يفعله باستسخار الملك و الشيطان و هما مسخّران بقدرته في
تقليب القلوب كما أنّ أصابعك مسخّرة لك في تقليب الأجسام مثلا، و القلب بأصل
الفطرة صالح لقبول آثار الملائكة و لقبول آثار الشياطين صلاحا متساويا ليس يترجّح
أحدهما على الآخر و إنّما يترجّح أحد الجانبين باتّباع الهوى و الإكباب على
الشّهوات أو الإعراض عنها و مخالفتها فإن اتّبع الإنسان مقتضى الشهوة و الغضب ظهر
تسلّط الشيطان بواسطة الهوى، و صار القلب عشّ الشيطان و معدنه لأنّ الهوى هو مرعى
الشيطان و مرتعه و إن جاهد الشهوات و لم يسلّطها على نفسه و تشبّه بأخلاق الملائكة
صار قلبه مستقرّ الملائكة و مهبطهم، و لمّا كان لا يخلو قلب عن شهوة و غضب و حرص و
طمع و طول أمل إلى غير ذلك من صفات البشريّة المتشعّبة عن الهوى لا جرم لم يخل قلب
أن يكون للشيطان فيه جولان بالوسوسة و لذلك قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
و سلّم: «ما منكم من أحد إلّا و له شيطان، قالوا: و أنت يا رسول اللّه؟ قال: و أنا
إلّا أنّ اللّه عزّ و جلّ أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلّا بخير»[3] و إنّما
كان هذا لأنّ الشيطان لا يتصرّف إلّا بواسطة الشهوة فمن أعانه اللّه على شهوته
حتّى صار لا ينبسط إلّا حيث
[1] البقرة: 268، و الخبر رواه الترمذي في
السنن ج 11 ص 109 و قال: هذا حديث حسن غريب.