نام کتاب : المحجة البيضاء نویسنده : الفيض الكاشاني جلد : 2 صفحه : 240
و العظم و العروق و
العصب و كيفيّة شكل أعضائها بالأشكال المختلفة من الرأس و اليد و الرجل و الكبد و
القلب و غيرها، ثمّ إلى ما ظهر فيه من الصفات الشريفة من السمع و البصر و العقل و
غيره، ثمّ إلى ما ظهر فيه من الصفات المذمومة من الغضب و الشهوة و الكفر و الجهل،
و التكذيب و المجادلة كما قال تعالى: «أَ وَ لَمْ يَرَ
الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ[1]»
فيتأمّل هذه العجائب ليرقى منها إلى أعجب الأعاجيب و هو الصفة الّتي منها صدرت هذه
الأعاجيب، فلا يزال ينظر إلى الصنعة حتّى يرى الصانع.
و أمّا أحوال الأنبياء
عليهم السّلام فإذا سمع منها كيف كذّبوا و ضربوا و قتل بعضهم، فليفهم منه صفة
استغناء اللّه تعالى عن الرسل و المرسل إليهم و أنّه لو أهلك جميعهم لم يؤثر في
ملكه و إذا سمع نصرتهم في آخر الأمر فليفهم قدرة اللّه و إرادته لنصرة الحقّ.
و أمّا أحوال المكذّبين
كعاد و ثمود و ما جرى عليهم فليكن فهمه منه استشعار الخوف من سطوته و نقمته و ليكن
حظّه منه الاعتبار في نفسه و أنّه إن غفل و أساء الأدب و اغترّ بما أمهل فربما
يدركه النقمة و تنفذ فيه القضيّة، و كذلك إذا سمع وصف الجنّة و النّار و سائر ما
في القرآن، فلا يمكن استقصاء ما يفهم منه لأنّ ذلك لا نهاية له و إنّما لكلّ عبد
منه بقدر رزقه «وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ»[2] «قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ
مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ
رَبِّي وَ لَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً»[3]، و لذلك قال عليّ عليه السّلام: «لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا من
تفسير فاتحة الكتاب»[4]
فالغرض ممّا ذكرناه التنبيه على طريق التفهّم لينفتح بابه فأمّا الاستقصاء فلا
مطمع فيه و من لم يكن له فهم ما في القرآن و لو في أدنى الدرجات دخل في قوله
تعالى: «وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ
عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً» فقال تعالى: «أُولئِكَ الَّذِينَ
طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ»[5] و الطابع هو الموانع الّتي سنذكرها في معاني الفهم، و قد قيل: لا
يكون المريد مريدا حتّى يجد في القرآن كلّ ما يريد، و يعرف منه النقصان من المزيد،
و يستغني بالمولى عن العبيد.