نام کتاب : المحجة البيضاء نویسنده : الفيض الكاشاني جلد : 1 صفحه : 111
و اعلم أنّ القلب
المشحون بالغضب و الشره إلى الدّنيا و التكالب عليها و الحرص على التمزيق لأعراض
الناس كلب في المعنى و قلب في الصورة، و نور البصيرة يلاحظ المعاني دون الصور و
الصور في هذا العالم غالبة على المعاني و المعاني باطنة فيها و في الآخرة تتبع
الصور المعاني و تغلب المعاني فلذلك يحشر كلّ شخص على صورته المعنويّة، فيحشر
الممزّق لأعراض الناس كلبا ضاريا، و الشره إلى أموالهم ذئبا عاديا، و المتكبّر
عليهم في صورة نمر، و طالب الرئاسة في صورة أسد، و قد وردت بذلك الأخبار و شهد به
الاعتبار عند ذوي البصائر و الأبصار.
فإن قلت: كم من طالب
رديّ الأخلاق حصّل العلوم. فهيهات ما أبعدك عن العلم الحقيقي النافع في الآخرة
الجالب للسعادة فإنّ من أوائل ذلك العلم أن يظهر له أنّ المعاصي سموم مهلكة و هل
رأيت من يتناول شيئا مع علمه بكونه سمّا إنّما الّذي تسمعه من المترسّمين حديث
يلعقونه بألسنتهم مرّة و يردّ دونه بقلوبهم أخرى و ليس ذلك من العلم في شيء، قال
ابن مسعود- رضي اللّه عنه-: ليس العلم بكثرة الرواية إنّما العلم نور يقذف في القلوب».
(1) أقول: و قد ورد عن
أئمّتنا عليهم السّلام مثل ذلك.
قال أبو حامد: «و قال
بعضهم: إنّ العلم الخشية قال اللّه عزّ و جلّ:
«إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ»[1] و كأنّ هذا إشارة إلى أخصّ ثمرات العلم و لذلك قال بعض المحقّقين:
معنى قولهم: تعلّمنا العلم لغير اللّه فأبى العلم أن يكون إلّا للَّه. أنّ العلم
أبى و امتنع علينا فلم ينكشف لنا حقيقته و إنّما حصل لنا حديثه و ألفاظه.
فإن قلت: إنّي أرى جماعة
من الفقهاء المحقّقين برزوا في الأصول و الفروع و عدّوا من جملة الفحول و أخلاقهم
ذميمة لم يتطهّروا منها، فيقال: إذا عرفت مراتب العلوم و عرفت علم الآخرة استبان
لك أنّ ما اشتغلوا به قليل الغناء من حيث كونه علما و إنّما غناؤه من حيث كونه
عملا للَّه تعالى إذا قصد به التقرّب إلى اللّه سبحانه، و قد سبق إلى هذا إشارة و
سيأتيك فيه مزيد بيان و إيضاح.