فإن قيل: إذا أنكرتم القول
بالتحابط و أبطلتموه فما قولكم في من آمن بعد كفر، أو كفر بعد إيمان؟.
قلنا: أمّا الإيمان بعد
كفر فجائز عندنا، فيجوز أن يؤمن الكافر، و إذا آمن فانّ اللّه عزّ و جلّ يعفو عنه،
لحصول الإجماع على سقوط عقاب من هذا وصفه مع ما قد بيّنا من بطلان التحابط، و
القول بأنّ التوبة تسقط العقاب عقلا على طريق الوجوب.
و أمّا الكفر بعد الإيمان،
فقد اختلف قول علمائنا فيه، فمنهم من أجاز في المؤمن أن يكفر كفرا لا يوافى به، و
لم يجوّز وقوع الكفر يوافي به و يموت عليه منه، لأنّ الإيمان عند جميعهم متى وقع
فلا بدّ من الموافاة به؛ و منهم من منع من وقوع الكفر بعد الإيمان أصلا و البتة،
أيّ كفر كان، و هذا هو الصحيح عندنا.
فإن قيل: دلّوا على أنّه
لا بدّ من الموافاة بالإيمان.
قلنا: قد ثبت أنّ الإيمان
يستحقّ به الثواب الدائم بالإجماع لا يخالف فيه إلّا من خالف في أصل الاستحقاق و
الجزاء. و ذلك قول ظاهر البطلان، فلو جاز بعده وقوع كفر يوافي به و لا يرجع منه
إلى الإيمان لكان فاعله يستحقّ الثواب الدائم لإيمانه المتقدّم، و العقاب الدائم
للإجماع على أنّ الكفر الذي يوافي به و لا يرجع منه إلى الإيمان يستحقّ عليه
العقاب الدائم، و اجتماع استحقاق الثواب