قلنا: إنّما قدّم النبيّ
عليه السلام من قدّم على المذكورين في أمر الحرب و مقاومة العدو، و قد كانوا أفضل
ممّن قدّمهم عليهم في ذلك، فانّ خديعة عمر و بن العاص و مكره غير خاف، و قد قال
عليه السلام: الحرب خدعة[1]
و كذلك شجاعة خالد ظاهرة، فليس في شيء من ذلك تقديم المفضول على الفاضل فيما هو
أفضل منه فيه، و لعلّ زيدا كان أفضل من جعفر في أمر الحرب على أنّه روى أنّ جعفرا
كان المقدّم و المرجوع إليه أوّلا، ثمّ لمّا حدث به ما حدث و طار إلى الجنّة على
ما وردت به الرواية تقدّم زيد.
[اشتراط كونه الأعلم
بأحكام الشرعية]
فأمّا الذي يدلّ على كونه
أعلم بأحكام الشرع من جميع الرعيّة و كونه أشجعهم و أقوى من كلّ واحد منهم و هما
الوصفان اللذان يجب كونه عليهما باعتبار الشرع فهو ما قد ثبت من ورود التعبد بشرع
نبيّنا عليه السلام، و أنّ ما تعبّدنا به في شرعه الجهاد و محاربة الكفّار و الذب
عن بيضة الإسلام و تجييش الجيوش لحفظ الثغور، و أنّ الإمام إمام في جميع ذلك مقدّم
فيه مقتدى به في قليله و كثيرة، و إذا كان كذلك وجب اتصافه بما ذكرناه من الصفات،
لقبح تقديم المفضول على الفاضل، كما سبق بيانه، و يدلّ على وجوب كونه عالما بجميع
أحكام الشرع ما قد ثبت أنّه إمام في جميعه متولّ للحكم في دقيقه و جليله و طمّه و
دقّه[2]، فلو لم يكن عالما بجميع ذلك لقبح توليته
ذلك، إذ من المعلوم للعقلاء كلّهم قبح توليته الأمر من لا يعلمه أو لا يعلم أكثره
و إن كان له طريق إلى تعلّمه، من حيث إنّ الملحوظ المراعى عندهم كونه عالما بما
وليه، و لا التفات للعقل إلى إمكان تعلّمه في خروج تلك التولية من القبح، يبيّن ما
ذكرناه و يوضحه أنّ بعض الملوك لو أراد أن يولّي بعض الناس الوزارة و يجعل
[1] صحيح البخاري: ج 4
ص 76 كتاب الجهاد باب 106 الحرب خدعة.