و وجوب الواجب ثابتان لم
يتغيرا، و كان يجب أن لا يحسن ورود الشرع بإقرار أهل الذمّة على القبيح و الإخلال
بالواجب، لأنّ مع ثبوت وجه وجوب النهي عن المنكر و الأمر بالمعروف الواجب لا يحسن
ورود الشرع بإقرارهم على ارتكاب القبيح و الإخلال بالواجب، و لا يجوز أن يكون وجه
وجوبهما وجوب كراهة القبيح و إرادة الواجب، لأنّه غير مسلّم أولا كراهة القبيح من
الغير و وجوب إرادة الواجب منه، بلى حسنهما مسلّم، فأمّا وجوبهما فغير مسلّم.
ثمّ و لو سلّمنا وجوبهما
جدلا لم يلزم من تسليم وجوبهما وجوب النهي عن المنكر و الأمر بالواجب، لأنّه غير
لازم في الكاره للشيء من الغير أن ينهاه عنه، و لا في المريد للشيء من الغير أن
يأمره به.
ثمّ و الوجوه التي أوردنا
في إبطال الوجه الأوّل تبطل هذا الوجه أيضا.
و لا يجوز أن يكون وجه
وجوبهما وجوب أن لا يريد القبيح و لا يكره الواجب من حيث إنّه و إن وجب[1] الامتناع من إرادة القبيح و كراهة
الواجب، لقبحهما، فانّه لا يلزم فيمن لا يريد القبيح أن ينهى عنه و لا فيمن لا
يكره الواجب ان يأمر به.
فإن قيل: إذا لم ينه عن
القبيح و لم يأمر بالواجب أو هم أنّه مريد للقبيح راض به، كاره للواجب ساخط له.
قلنا: إذا تقرّر و ثبت أنّ
من الممكن المتصوّر في من لا يريد الشيء أن لا يأمر به مع أنّه لا يريده، و في من
لا يكره الشيء أن لا يأمر به مع أنّه لا يكرهه، فمن توهّم على تارك النهي عن
القبيح أنّه مريد له راض به و على تارك الأمر بالواجب أنّه كاره له فقد أخطأ و
الشيء لا يجب لتوهّم متوهّم ما لا أصل له و لغلط[2] غالط.