شطر بيتي، لقينى جماعة من
إخواننا علماء أهل «الحلّة» و فقهائهم- كثر اللّه عددهم و قلّل عدوهم- مستقبليّ،
مكرمين مقدمي، مستبشرين بوصولي إليهم، استبشار الخليل بالحبيب، و العليل بالطبيب،
و أدخلوني الحلّة- عمرها اللّه ببقائهم- بإعزاز و اكرام، و إجلال و إنعام، و
أنزلوني أشرف منازلهم و أطيبها، و أفسحها و أرجها، و أكرموا مثواي و لقوّتي بكل
جميل، و استأنسوا بي و استأنست بهم، و تجلّى معنى قوله عليه السلام: «فما تعارف
منها ائتلف»[1].
ثم بعد الاستئناس، أظهروا
ما أضمروه من الالتماس المشتمل على اقامتي عندهم أشهرا. فشقّ عليّ و استعفيت عنها،
و اعتذرت بالتحنّن إلى الأهل و الوطن، و تعطّل اموري هناك بتأخري و مقامي في
السفر. فما زادهم استعفائي الا استدعاء و اعتذاري إلّا إصرارا على الالحاح و
المبالغة فيما التمسوه، فاستجبت و لزمني إجابتهم و آثرت مرادهم على متمنّاي و عزمت
على الاقامة و في القلب النزوع الى الأهل و الولد، و في الخاطر التفات الى المولد
و البلد. و اشتغلنا بالمذاكرة و المدارسة، إذ كانتا هما المبتغى و المقصود للقوم
في اقامتى.
فأقام عندهم و كتب لهم
كتابا فرغ من تصنيفه في التاسع من شهر جمادى الأولى من سنة 581 ه و سمّاه ب
«المنقذ من التقليد و المرشد الى التوحيد» و لتأليفه بالعراق سماه في المقدمة أيضا
بالتعليق العراقي، بنحو الوصف و النسبة، أي التعليق
[1] أخرجه مسلم في
صحيحه: 8/ 40 عن أبي هريرة. و نقله الهيثمي في مجمع الزوائد 8/ 87 عن الجامع
الكبير للطبراني عن عبد اللّه بن مسعود. و نقله العلّامة المجلسي في البحار: 61/
63 عن شهاب الأخبار. و نقل شرحه عن ضوء الشهاب في شرح شهاب الأخبار. و في مقدمة
البحار: 1/ 22 قال: شهاب الأخبار و شرح الشهاب للشيخ أبي الفتوح الرازي: و في 42
نسب شهاب الأخبار للقاضي محمد بن سلامة القضاعي من العامة. و الخبر فيه عن عائشة
عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم. فالخبر و إن اشتهر على الألسن منسوبا الى
أمير المؤمنين عليه السلام لكنّه عامّى نبويّ، و لا يخفى ما فيه من رائحة الجبر و
أن الأرواح مجنّدة من قبل خلقها.