يقصد افتراس مواشينا و ما
يتعلّق بنا أو نغتم بافتراسها حيوانا آخر لا يتعلّق بنا و تتأدّى الرقّة التي تلحق
قلوبنا إمّا لذلك الحيوان أو لصاحبه إن كان له صاحب. فأمّا إذا لم ندفع بمنعها
المضرّة عن أنفسنا بأحد الوجهين، فانّه لا يحسن منّا منعها. و لو ورد السمع بحسن
ذلك أو وجوبه، لقلنا: إنّ ذلك لمصلحة لنا فيه، كما ورد السمع بمنع الصبيّ من شرب
الخمر و إن لم يقبح ذلك منه لنا فيه من الصلاح و للصبيّ أيضا بأن لا يتعوّد شربها
فيصعب عليه الامتناع فيها إذا بلغ حدّ التكليف.
و قد أورد ما ذكره قاضي
القضاة من «أنّا إذا أغرينا الجارح على الصيد فاصطاده و أضرّ به، فالعوض على اللّه
تعالى، لأنّه باغرائنا له يصير ملجأ إلى ذلك، و اللّه تعالى أباح لنا إغراءه» و
ردّ عليه بأنه قال: إنّه تعالى إنما أباح لنا إغراء الجارح على الصيد و ما أباح
للجارح الإضرار بالصيد، إذ الإباحة في حقّه غير متصوّرة و قوله «لأنّه يصير ملجأ
إلى الإضرار باغرائنا» غير مسلّم، بل هو جار على عادته كما خلق عليه، فكان ينبغي
أن يوجب على الجارح أعواض الإضرار الزائد بالصيد على الاصطياد، لأنّ ذلك الضرر
الزائد من فعله و لم يؤمر به و لا ابيح له، إذ الأمر و الاباحة في حقّه غير
متصوّرين، و هو غير ملجأ إليه على ما بيّنا، فعلى قاعدته يلزمه أن يوجب عوض ذلك
على الجارح دونه تعالى، بخلاف ما قاله.