أمزجتها، و بسبب اختلاف
أمزجتها يختلف استعدادها لقبول أثر النفوس، فكلّ جنينين انّما يستعدّ لقبول أثر
نفس مخصوصة دون غيرها، فيستعمله تلك النفس لا غير.
قلنا: و قد يتفق تساوي
أجنّة كثيرة في المزاج و الاستعداد المشار إليهما فيلزم ما ذكرناه.
و قد أوردت على بعضهم هذا
الإلزام فالتجأ إلى الاختلاف في المزاج و الاستعداد.
فلمّا قلت له في الجواب:
قد يتفق تساوى أجنّة كثيرة في المزاج و الاستعداد و تكوّنها في لحظة واحدة، إذ ليس
ذلك بمحال.
قال هذا تقدير محال.
قلت: و لم قلت إنّ هذا
محال.
قال: لأنّ وجود مثلين
متشابهين في سائر الوجوه بحيث لا يكون بينهما تباين و تمايز محال، إذ ذلك رفع
الاثنينية و التغاير بينهما، و إذا ارتفع التغاير بطلت المماثلة، لأنّها إنّما
تثبت بين شيئين غيرين.
قلت: فمقتضى هذا الذي
ذكرته أن يثبت بينهما تباين و تمايز، و أنا أقول به فأقول إنّهما يتباينان
بالمكان، و هذا كاف في التميّز و يشتهيان و يتفقان في المزاج و الاستعداد، فلا
يكون محالا.
قال: إذا أقررت بمباينتهما
في المكان فكيف يلزم أن لا يكون للنفس الحادثة معهما من الاختصاص بأحدهما ما ليس
لها بالآخر و أن يستعملهما.
قلت: و مباينتها في المكان
إنّما كانت نافعة في دفع الإلزام إذ لو كانت النفس مكانيّة فحينئذ كنت تقول بأن
النفس تستعمل البدن الذي في أقرب الأماكن إلى مكانها و الذي يكون في مكانه أولى من
أن تستعمل غيره من الأبدان. فأمّا إذا لم تكن النفس في مكان، لا مستقلا و لا تبعا،
فانّ مباينة الأبدان في المكان لا تنفع في دفع الإلزام.