فصحّ ما قلنا من أنّ
المؤمن و المطيع أيضا غير قادرين على ما كلفاه عندهم.
و عندنا أنّ اللّه سبحانه
و تعالى لا يكلّف العبد ما لا يطيقه و ما لا يقدر عليه و الذي يدلّ على ذلك ما قد
علمنا ضرورة من قبح تكليف العاجز الفعل، و الزّمن العدو و الأعمى نقط المصحف على
وجه الصواب. و إنّما قبح هذا التكليف، لأنّه تكليف لما لا يطيقه، باعتبار أنّ
هؤلاء لو تمكّنوا ممّا كلّفوه لما قبح تكليفهم هذه الأشياء إذا حصل فيها غرض المثل
و هذه العلّة قائمة في تكليف العبد الإيمان و الطاعة، مع فقد قدرته عليهما، فإن
التزموا جواز ما ذكرناه في تكليف العاجز و الزّمن و الأعمى ظهر عنادهم. و قد التزم
الأشعريّ جميع ذلك. و منهم من لا يلتزمه و يفرّق بين التكليفين بفروق باطلة على ما
نذكره.
و قد ذكر بعض الأشاعرة في
كتاب صنّفه في أصول الفقه في باب أنّ الأمر بالشيء هل هو أمر بما لا يتمّ إلّا
به، قال: «اتّفق أهل الحقّ على أنّه يجوز أن يكلّف اللّه عزّ و جلّ من لا يقدر على
ما كلّفه.
قال: و اختلفوا في أنّه هل
يجوز أن يكلّف العاجز و الزّمن و السعي و الضّرير نقط المصحف و الالبان و خلق
الأجسام و خلق مثل القديم و جعل المحدث قديما و القديم محدثا، فمنع قوم من أهل
الحقّ من ذلك، و أجازه آخرون و هم المصيبون المحقّون.
قال و اتّفقوا على أنّه لا
يجوز أن يكلّف اللّه عزّ و جلّ الجماد».
و قد اشتمل هذا الكلام على
عجائب، على ما ذكره الشيخ أبو الحسين في غرره.
منها: أن أهل الباطل هم
القائلون بأن اللّه تعالى كلّف عباده ما يطيقونه [و] أهل الحق هم القائلون بانّه
كلّفهم ما لا يطيقونه[1].