و تخلخل و الخمر ينتفخ في
الدن حتى يتصعد عند الغليان، و كذلك القمقمة الصياحة و هي إذا كانت مسدودة الرأس
مملوءة بالماء و أوقدت النار تحتها انكسرت و تصدعت، و لا سبب له إلا أن الماء صار
أكثر مما كان، و لا جائزا أن يقال: إنه كبر بدخول أجزاء النار فيها؛ فإنه كيف دخلت
و ما خرج جزء من الماء و لا خلاء فيه؟
و لا جائز أن يقال إن
النار طلبت جهة الفوق بطبعها، فإنه كان ينبغي أن ترفع الإناء و تطيره لا أن تكسره.
و إذا كان الإناء صلبا خفيفا كان رفعه أسهل من كسره، فتعين أن السبب انبساط الماء
في جميع الجوانب و دفعه سطح الإناء إلى الجوانب فيتفتق الموضع الذي كان أضعف. و له
أمثلة أخرى تدل على أن المقدار يزيد و ينقص، و نقول: إن العناصر قابلة للتأثيرات
السماوية، إما آثار محسوسة مثل نضج الفواكه و مد البحار و أظهرها الضوء و الحرارة
بواسطة الضوء و التحريك إلى فوق بتوسط الحرارة، و الشمس ليست بحارة و لا متحركة
إلى فوق. و إنما تأثيراتها معدات للمادة في قبول الصورة من واهب الصور، و قد يكون
للقوى الفلكية تأثيرات خارجة من العنصريات، و إلا فكيف يبرد الأفيون أقوى مما يبرد
الماء، و الجزء البارد فيه مغلوب بالتركيب مع الأضداد؟ و كيف يفعل ضوء الشمس في
عيون العشي و النبات بأدنى تسخين ما لا تفعله النار بتسخين يكون فوقه؟ فتبين أن
العناصر كيف قبلت الاستحالة و التغير و التأثير. و تبين ما لها بالعنصر و الجوهر.
المقالة الثالثة:
في المركبات و الآثار
العلوية.
قال ابن سينا: إن العناصر
الأربعة عساها أن لا توجد كلياتها صرفة، بل يكون فيها اختلاط، و يشبه أن تكون
النار أبسطها في موضعها ثم الأرض. أما النار فلأن ما يخالطها يستحيل إليها لقوتها.
و أما الأرض فلأن نفوذ قوى ما يحيط بها في كليتها بأسرها كالقليل، و عسى أن يكون
باطنها القريب من المركز يقرب من البساطة[1].
[1] لكن ذلك دون بساطة
النار، لأن نفوذ القوى الفلكية المسخنة في الأرض جائز، و ذلك مما يحدث فيها إحالة
ما، و مع ذلك فإن الأرض لا تقوى على إحالة كل ما يخالطها من الجوهر القريب إلى
الأرضية قوة النار على إحالة ما يخالطها.