متناهية، فتكون الجهات
أيضا متناهية. و لذلك يتحقق إليها إشارة، و لذاتها اختصاص و انفراد من جهة أخرى. و
إذا كانت الأجسام كرية فيكون تحدد الجهات على سبيل المحيط و المحاط، و التضاد فيها
على سبيل المركز و المحيط. و إذا كان الجسم المحدد محيطا كفى لتحديد الطرفين، لأن
الإحاطة تثبت المركز، فتثبت غاية البعد منه و غاية القرب من غير حاجة إلى جسم آخر.
و أما إن فرض محاطا لم تتحدد به وحده الجهات، لأن القرب يتحدد به، و البعد منه
يتحدد بجسم آخر، إذ لا خلاء. و ذلك ينتهي لا محالة إلى محيط. و يجب أن تكون
الأجسام المستقيمة الحركة لا يتأخر عنها وجود الجهات لأمكنتها و حركاتها. بل
الجهات تحصل بحركاتها، فيجب أن يكون الجسم الذي تتحدد الجهات إليه جسما متقدما
عليه، و تكون إحدى الجهات بالطبع غاية القرب منه و هو الفرق. و يقابله غاية البعد
منه و هو السفل؛ و هذان بالطبع و سائر الجهات لا تكون واجبة في الأجسام بما هي
أجسام، بل بما هي حيوانات، فتتميز فيها جهة القدام الذي إليه الحركة الاختيارية، و
اليمين الذي منه مبدأ القوة، و الفوق إما بقياس فوق العالم، و إما الذي إليه أول
حركة النشوء، و مقابلاتها الخلف و اليسار و السفل. و الفوق و السفل محدودان بطرفي
البعد الذي الأولى أن يسمى طولا، و اليمين و اليسار بما الأولى أن يسمى عرضا، و
القدام و الخلف بما الأولى أن يسمى عمقا.
المقالة الثانية:
في الأمور الطبيعية و غير
الطبيعية للأجسام.
من المعلوم أن الأجسام
تنقسم إلى بسيطة و مركبة[1]
و أن لكل جسم حيزا ما ضرورة فلا يخلو إما أن يكون كل حيز له طبيعيا، أو منافيا
لطبيعته، أو لا طبيعيا
[1] أما المركبة فتثبت
بالمشاهدة، و أما البسيطة فتثبت بتوسط المركبة لأن كل مركب فإنما يتركب عن بسائط،
و للأجسام كلها أحياز ضرورية و هي التي تتباين بها الأجسام في الجهات بأوضاعها و
لبعضها أمكنة و هي الأجسام التي تحيط بها أجسام أخر.