الأول إلى المبدع الأول
أشد من شوق سائر الأشياء، لأن الأشياء كلها تحته، و إذا اشتاق إليه العقل لم يقل
للعقل لم صرت مشتاقا إلى الأول؟ إذ العشق لا علة له.
و أما المنطق الذي يختص
بالنفس فيفحص عن ذلك و يقول: إن الأول هو المبدع الحق، و هو الذي لا صورة له، و هو
مبدع الصور، فالصور كلها تحتاج إليه، و تشتاق إليه و ذلك أن كل صورة تطلب مصورها و
تحن إليه.
و قال: إن الفاعل الأول
أبدع الأشياء كلها بغاية الحكمة، لا يقدر أحد أن ينال علل كونها، و لم كانت على
الحال التي هي الآن عليها؟ و لا أن يعرفها كنه معرفتها، و لم صارت الأرض في الوسط؟
و لم كانت مستديرة و لم تكن مستطيلة و لا منحرفة؟
إلا أن يقول: إن الباري
صيرها كذلك، و إنما كانت بغاية الحكمة الواسعة لكل حكمة.
و كل فاعل يفعل بروية و
فكرة، لا بآنيته فقط بل يفصل فيه، فلذلك يكون فعله لا بغاية الثقافة و الإحكام. و
الفاعل الأول لا يحتاج في إبداع الأشياء إلى روية و فكر، و ذلك أنه ينال العلل بلا
قياس، بل يبدع الأشياء و يعلم عللها قبل الروية و الفكر. و العلل و البرهان و
العلم و القنوع، و سائر ما أشبه ذلك، إنما كانت أجزاء، و هو الذي أبدعها، و كيف
يستعين بها و هي لم تكن بعد؟!
كان هذا الرجل من كبار
تلامذة أرسطوطاليس و كبار أصحابه، و استخلفه على كرسي حكمته بعد وفاته. و كانت
المتفلسفة في عهده تختلف إليه و تقتبس منه. و له كتب الشروح الكثيرة و التصانيف
المعتبرة، و بالخصوص في الموسيقات.
[1] ثاوفرسطيس: فيلسوف
يوناني، ولد في أفسس حوالي سنة 372 ق. م. أخذ العلم في أثينا عن أفلاطون و أرسطو.
ظل يعلم تلاميذه إلى أن وضع سوفكلس قانونا يمنع الفلاسفة من تعليم الفلسفة دون أمر
من الحكومة، و من خالف فعقابه الموت. و لما ألغي هذا القانون عاد إلى سيرته
الأولى. و قد ألف في السياسة و الشريعة و القضاء و الخطابة. و توفي سنة 287 ق. م.
(دائرة المعارف للبستاني 6: 344).