و الحيوان ليست حركاته
بطبعه على هذا النهج، فيجب أن يتميز الإنسان بنفس خاص، كما تميز الحيوان على سائر
الموجودات بنفس خاص.
و أما الثاني: و هو المعول
عليه، قال: إنا لا نشك أن نعقل و نتصور أمرا معقولا صرفا، مثل المتصور من الإنسان
أنه إنسان كلي يعم جميع أشخاص النوع، و محل هذا المعقول جوهر ليس بجسم و لا قوة في
جسم أو صورة لجسم، فإنه إن كان جسما فإما أن يكون محل الصورة المعقولة منه طرفا
منه لا ينقسم، أو جملته المنقسمة. و بطل أن يكون طرفا منه غير منقسم؛ فإنه لو كان
كذلك لكان المحل كالنقطة التي لا تميز لها في الوضع عن الخط، فإن الطرف نهاية
الخط، و النهاية لا يكون لها نهاية أخرى، و إلا تسلسل القول فيه، فتكون النقط
متشافعة و لكل نهاية، و ذلك محال، و إن كان محل المعقول من الجسم شيئا ينقسم، فيجب
أن ينقسم المعقول بانقسام محله، و من المعقولات ما لا ينقسم البتة، فإن ما ينقسم
يجب أن يكون شيئا كالشكل و المقدار. و الإنسانية الكلية المتصورة في الذهن ليست
كشكل قابل للقطع، و لا كمقدار قابل للفصل. فتبين أن النفس ليست بجسم، و لا قوة في
جسم، و لا صورة في جسم.
قال: إذا تحقق أنها ليست
بجسم لم تتصل بالبدن اتصال انطباع فيه، و لا حلول فيه، بل اتصلت به اتصال تدبير و
تصرف. و إنما حدثت مع حدوث البدن لا قبله و لا بعده. قال: لأنها لو كانت موجودة
قبل وجود الأبدان لكانت إما متكثرة بذواتها، و إما متحدة. و بطل الأول؛ فإن
المتكثر إما أن يكون بالماهية و الصورة، و قد فرضناها متفقة في النوع لا اختلاف
فيها، فلا تكثر و لا تحايز، و إما أن تكون
[1] فالنفس شيء عقلي
مجرد الذات عن المادة، و قد صارت له صورة شوق إلى العالم الحسي فيما صارت له هذه
الصورة- و بها تتصل بالعالم الحسي- تكون نفسا. و إنها إنما هي نفس لأنها كمال نفس
طبيعي آلي.