قرر مذهب الحنفاء، و أبطل
مذاهب الصابئة، و بيّن أن الفطرة هي الحنيفية، و أن الطهارة فيها، و أن الشهادة
بالتوحيد مقصورة عليها، و أن النجاة و الخلاص متعلقة بها، و أن الشرائع و الأحكام
مشارع و مناهج إليها. و أن الأنبياء و الرسل مبعوثون لتقريرها و تقديرها، و أن
الفاتحة و الخاتمة، و المبدأ و الكمال منوطة بتحصيلها و تحريرها ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ[1] و الصراط المستقيم، و المنهج الواضح، و المسلك اللائح. قال اللّه
تعالى لنبيه المصطفى صلى اللّه عليه و سلم: فَأَقِمْ
وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها*
لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ* ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ* مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَ اتَّقُوهُ وَ أَقِيمُوا
الصَّلاةَ وَ لا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ* مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ
وَ كانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ[2].
و هم جماعة من الصابئة،
قالوا: إن الصانع المعبود واحد و كثير. أما واحد ففي الذات، و الأول، و الأصل، و
الأزل. و أما كثير فلأنه يتكسر بالأشخاص في رأي العين، و هي المدبرات السبعة و
الأشخاص الأرضية الخيرة، العالمة، الفاضلة. فإنه يظهر بها، و يتشخص بأشخاصها. و لا
تبطل وحدته في ذاته.
و قالوا: هو أبدع الفلك و
جميع ما فيه من الأجرام و الكواكب، و جعلها
[3] و هم جماعة من
صابئة الكلدانيين أجمعوا على أن للعالم علة لم يزل واحدا لا يتكثر، لا يلحقه صفة
شيء من المعلومات، كلف أهل التمييز من خلقه الإقرار بربوبيته و أوضح لهم السبيل و
بعث رسلا للدلالة و تثبيتا للحجة أمرهم أن يدعوا إلى رضوانه و يحذروا من غضبه، و
وعدوا من أطاع نعيما لا يزول، و أوعدوا من عصى عذابا و اقتصاصا بقدر استحقاقه. و
من مشهوريهم عاذيمون و هرمس، و ذكر بعضهم سولون. و افترضوا من الصلاة ثلاثا كل
يوم، و لا صلاة إلا على طهور، و صيامهم ثلاثون يوما، و لهم قربان يتقربون به.