بأن الكلام في المراتب
صعب، و من لم يصل إلى رتبة من المراتب كيف يمكنه أن يستوفي بيانها؟.
لكنا نعرف أن رتبته
بالنسبة إلينا: رتبتنا بالنسبة إلى من هو دوننا في الجنس من الحيوان. فكما أنا
نعرف أننا في الموجودات و لا يعرفها الحيوان، كذلك هم يعرفون خواص الأشياء و
حقائقها، و منافعها و مضارها، و وجوه المصالح في الحركات، و حدودها و أقسامها و
نحن لا نعرفها.
و كما أن نوع الإنسان ملك
الحيوان بالتسخير، فالأنبياء عليهم الصلاة و السلام ملوك الناس بالتدبير، و كما أن
حركات الناس معجزات الحيوان، كذلك حركات الأنبياء معجزات الناس، لأن الحيوانات لا
يمكنها أن تبلغ إلى الحركات الفكرية حتى تميز الحق من الباطل و لا أن تبلغ إلى
الحركات القولية حتى تميز الصدق من الكذب.
و لا أن تبلغ إلى الحركات
الفعلية حتى تميز الخير من الشر. فلا التمييز العقلي لها بالوجود، و لا مثل هذه الحركات
لها بالفعل. و كذلك حركات الأنبياء، لأن منتهى فكرهم لا غاية له، و حركات أفكارهم
في مجال القدس مما تعجز عنها قوة البشر حتى يسلم لهم: «لي مع اللّه وقت لا يسعني
فيه ملك مقرب، و لا نبي مرسل»، و كذلك حركاتهم القولية و الفعلية لا تبلغ إلى غاية
انتظامها و جريانها على سنن الفطرة حركة كل البشر، و هم في الرتبة العليا، و
الدرجة الأولى من درجات الموجودات كلها. فقد أحاطوا علما بما أطلعهم الرب تعالى
على ذلك دون غيرهم من الملائكة و الروحانيين.
ففي الأول تكون حاله حال
التعلم عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى[1] و في الأخير حاله حال
- بكثير من دقائق العلم
و لا يستحق شيئا من الثواب فضلا عن أن يكون ثوابه أكثر و فضله أكبر، فإن كثرة
الثواب و عظيم الفضل إنما تحصل بحسب الإخلاص في الأفعال، و لم نعلم أن إخلاص
الملائكة أكثر. (الرازي 1: 307- 310).