و من المعلوم أن كل نفس
شريفة عالية زكية هذه حالها، لا تكون كنفس لا تنازعها قوة أخرى على خلاف طباعها، و
حكم العنين[1] العاجز في امتناعه عن تنفيذ الشهوة،
لا يكون كحكم المتصون الزاهد المتورع في إمساكه عن قضاء الوطر[2] مع القدرة عليه. فإن الأول مضطر عاجز،
و الثاني مختار قادر، حسن الاختيار، جميل التصرف. و ليس الكمال و الشرف في فقدان
القوتين، و إنما الكمال كله في استخدام القوتين.
فنفس النبي عليه الصلاة و
السلام كنفوس الروحانيين: فطرة، و وضعا. و بذلك الوجه وقعت الشركة. و فضلها و
تقدمها باستخدام القوتين اللتين دونها، فلم تستخدمه.
و استعمالها في جانب الخير
و النظام، فلم تستعمله، و هو الكمال.
قالت الصابئة:
الروحانيات صور مجردة عن
المواد، و إن قدّر لها أشخاص تتعلق بها تصرفا و تدبيرا، لا ممازجة و لا مخالطة،
فأشخاصها نورانية أو هياكل كما ذكرنا. و الفرض أنها إذا كانت صورا مجردة كانت
موجودات بالفعل لا بالقوة: كاملة لا ناقصة: و المتوسط يجب أن يكون كاملا حتى يكمل
غيره، و أما الموجودات البشرية فصور في مواد، و إن قدّر لها نفوس، فنفوسها إما
مزاجية، و إما خارجة عن المزاج. و الفرض أنها إذا كانت صورا لفي مواد، كانت
موجودات بالقوة لا بالفعل، ناقصة لا كاملة، و المخرج من القوة إلى الفعل يجب أن
يكون أمرا بالفعل[3]، و يجب أن يكون غير ذات ما يحتاج إلى
الخروج، فإن ما بالقوة لا يخرج بذاته من القوة إلى الفعل، بل بغيره، و الروحانيات
هي المحتاج إليها حتى تخرج الجسمانيات إلى الفعل، و المحتاج إليه كيف يساوي
المحتاج؟.
[2] الوطر: الحاجة و
الأرب. قال اللّه تعالى: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها
وَطَراً. قال الخليل: الوطر كل حاجة يكون لك فيها همة، فإذا بلغها البالغ
قيل: قضى وطره و إربه.
[3] لأن الفعل متقدّم
على القوة منطقيا و زمانيا، كما أن الصورة متقدّمة على المادة. و البرهان على ذلك
أن الأزلي متقدّم بالطبع على ما هو زائل. و لا يكون شيء أزليا بفضل القوة لأن ما
له قوة الكون له أيضا قوة العدم.