لا يتطرق إليها عقل، و لا
يهتدي إليها فكر، و بمقتضى العقل و الحكمة يجب على الحكيم ثواب المطيع و عقاب
العاصي، إلا أن التأقيت و التخليد فيه يعرف بالسمع.
و الإيمان عندهما اسم مدح،
و هو عبارة عن خصال الخير التي إذا اجتمعت في شخص سمي بها مؤمنا، و من ارتكب كبيرة
فهو في الحال يسمى فاسقا، لا مؤمنا، و لا كافرا، و إن لم يتب و مات عليها فهو مخلد
في النار.
و اتفقا على أن اللّه
تعالى لم يدخر عن عباده شيئا مما علم أنه إذا فعل بهم أتوا بالطاعة و التوبة من
الصلاح و الأصلح و اللطف، لأنه قادر، عالم جواد، حكيم لا يضره الإعطاء، و لا ينقص
من خزائنه المنح، و لا يزيد في ملكه الادخار، و ليس الأصلح هو الألذ، بل هو الأعود
في العاقبة، و الأصوب في العاجلة و إن كان ذلك مؤلما مكروها، و ذلك كالحجامة و
الفصد، و شرب الأدوية، و لا يقال إنه تعالى يقدر على شيء هو أصلح مما فعله بعبده،
و التكاليف كلها ألطاف، و بعثة الأنبياء، و شرع الشرائع، و تمهيد الأحكام و
التنبيه على الطريق الأصوب، كلها ألطاف.
و مما تخالفا فيه: أما في
صفات الباري تعالى فقال الجبّائي: الباري تعالى عالم لذاته. قادر حي لذاته، و معنى
قوله: لذاته أي لا يقتضي كونه عالما صفة هي علم، أو حال توجب كونه عالما:
و عند أبي هاشم: هو عالم
لذاته، بمعنى أنه ذو حالة هي صفة معلومة و راء كونه ذاتا موجودا، و إنما تعلم
الصفة على الذات لا بانفرادها، فأثبت أحوالا هي صفات لا موجودة و لا معدومة، و لا
معلومة و لا مجهولة، أي هي على حيالها لا تعرف كذلك بل مع الذات قال: و العقل يدرك
فرقا ضروريا بين معرفة الشيء مطلقا، و بين معرفته على صفة، فليس من عرف الذات عرف
كونه عالما. و لا من عرف الجوهر عرف كونه متحيزا قابلا للعرض، و لا شك أن الإنسان
يدرك اشتراك الموجودات في قضية، و افتراقها في قضية، و بالضرورة يعلم أن ما اشتركت
فيه غير ما افترقت به.