البدعة الثانية: القول
بالتناسخ[1] زعما أن اللّه تعالى أبدع خلقه أصحاء
سالمين عقلاء بالغين في دار سوى هذه الدار التي هم فيها اليوم و خلق فيهم معرفته و
العلم به، و أسبغ عليهم نعمه. و لا يجوز أن يكون أول ما يخلقه إلا عاقلا ناظرا
معتبرا و ابتدأهم بتكليف شكره. فأطاعه بعضهم في جميع ما أمرهم به، و عصاه بعضهم في
جميع ذلك. و أطاعه بعضهم في البعض دون البعض، فمن أطاعه في الكل أقره في دار
النعيم التي ابتدأهم فيها و من عصاه في الكل أخرجه من تلك الدار إلى دار العذاب و
هي النار و من أطاعه في البعض و عصاه في البعض أخرجه إلى دار الدنيا فألبسه هذه
الأجسام الكثيفة. و ابتلاه بالبأساء و الضراء. و الشدة و الرخاء، و الآلام و
اللذات على صور مختلفة من صور الناس و سائر الحيوانات على قدر ذنوبهم. فمن كانت
معصيته أقل و طاعته أكثر كانت صورته أحسن، و آلامه أقل، و من كانت ذنوبه أكثر كانت
صورته أقبح، و آلامه أكثر ثم لا يزال يكون الحيوان في الدنيا كرّة بعد كرّة، و
صورة بعد أخرى، ما دامت معه ذنوبه و طاعاته، و هذا عين القول بالتناسخ.
و كان في زمانهما شيخ
المعتزلة أحمد بن أيوب بن مانوس[2]، و هو أيضا من تلامذة النظام. و قال أيضا مثل ما قال أحمد بن خابط
في التناسخ، و خلق البرية
- فأقبل، و قال له:
أدبر، فأدبر. فقال: ما خلقت خلقا أكرم منك و بك أعطي و بك آخذ» و قالا: إن المسيح
تدرّع جسدا، و كان قبل التدرّع عقلا.
قال عبد القاهر: قد شارك
هذان الكافران الثنوية و المجوس في دعوى خالقين و قولهما شرّ من قولهم ...».
[1] قال بالتناسخ قوم
من الفلاسفة قبل الإسلام. و كان سقراط من جملتهم. و في الإسلام فريق من القدرية و
فريق من غلاة الروافض و ما في الثنوي، إذ ذكر أن أرواح الصديقين إذا خرجت من
أبدانهم اتصلت بعمود الصبح إلى أن تبلغ النور الذي فوق الفلك. و يكونون في السرور
دائما. أما أرواح أهل الضلال فإنها تتناسخ في أجسام الحيوان من حيوان إلى آخر حتى
تصفو فتصل إلى النور الذي فوق الفلك. (راجع التبصير ص 80). (و راجع كتاب البيروني
«تحقيق ما للهند من مقولة» ص 24).
[2] في «التبصير» أحمد
بن بانوش (ص 80) و في «الفرق بين الفرق» أنه أحمد بن أيوب بن بانوش (ص 275) و هو
ليس بمرضي عنه. (راجع لسان الميزان أول ص 139).