الجزاء، يقال: «كما تدين
تدان» أي كما تفعل تجازى. و قد يرد بمعنى الحساب يوم المعاد و التناد، قال اللّه
تعالى: ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ[1]، فالمتدين هو المسلم المطيع المقرّ بالجزاء و الحساب يوم التناد و
المعاد، قال اللّه تعالى: وَ رَضِيتُ لَكُمُ
الْإِسْلامَ دِيناً[2].
و لمّا كان نوع الإنسان
محتاجا إلى اجتماع مع آخر بني جنسه في إقامة معاشه، و الاستعداد لمعاده،؛ و ذلك
الاجتماع يجب أن يكون على شكل يحصل به التمانع و التعاون حتى يحفظ بالتمانع ما هو
أهله، و يحصل بالتعاون ما ليس له، فصورة الاجتماع على هذه الهيئة هي الملّة. و
الطريق الخاص الذي يوصل إلى هذه الهيئة هو المنهاج، و الشرعة، و السّنّة. و
الاتفاق على تلك السنة هي الجماعة، قال اللّه تعالى:
لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً[3].
و لن يتصوّر وضع الملّة، و
شرع الشرعة إلّا بواضع شارع يكون مخصوصا من عند اللّه بآيات تدلّ على صدقه، و ربما
تكون الآية مضمنة في نفس الدعوى. و قد تكون ملازمة و ربما تكون متأخرة.
ثم علم أن الملّة الكبرى
هي ملة إبراهيم الخليل عليه السلام، و هي الحنيفية التي تقابل الصبوة[4] تقابل التضادّ. و سنذكر كيفية ذلك إن
شاء اللّه تعالى، قال اللّه تعالى: مِلَّةَ أَبِيكُمْ
إِبْراهِيمَ[5].
و الشريعة ابتدأت من نوح
عليه السلام. قال اللّه تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ
الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً[6]، و الحدود و الأحكام ابتدأت من آدم، و شيث، و إدريس عليهم