و أقرب من هذا ما حكاه أبو
حامد الزوزني أن المجوس زعمت أن إبليس كان لم يزل في الظلمة و الجو خلاء بمعزل عن
سلطان اللّه، ثم لم يزل يزحف و يقرب بحيله حتى رأى النور فوثب وثبة فصار في سلطان
اللّه في النور، و أدخل معه هذه الآفات و الشرور، فخلق اللّه تعالى هذا العالم
شبكة فوقع فيها، و صار متعلقا بها لا يمكنه الرجوع إلى سلطانه، فهو محبوس في هذا
العالم، مضطرب في الجسم، يرمى بالآفات و المحن و الفتن إلى خلق اللّه تعالى. فمن
أحياه اللّه رماه بالموت، و من أصحه رماه بالسقم، و من سره رماه بالحزن، فلا يزال
كذلك إلى يوم القيامة. و في كل يوم ينقص سلطانه حتى لا يبقى له قوة. فإذا كانت
القيامة ذهب سلطانه و خمدت نيرانه، و زالت قوته، و اضمحلت قدرته فيطرحه في الجو، و
الجو ظلمة ليس لها حد و لا منتهى.
ثم يجمع اللّه تعالى أهل
الأديان فيحاسبهم و يجازيهم على طاعة الشيطان و عصيانه.
و أما المسخية فقالت إن
النور كان وحده نورا محضا، ثم انمسخ بعضه فصار ظلمة. و كذلك الخرمدينية[1]، قالوا بأصلين، و لهم ميل إلى التناسخ
و الحلول، و هم لا يقولون بأحكام و حلال و حرام.
و لقد كان في كل أمة من
الأمم قوم مثل الإباحية، و المزدكية، و الزنادقة، و القرامطة، كان تشويش ذلك الدين
منهم، و فتنة الناس مقصورة عليهم.
3- الزّردشتيّة
أولئك أصحاب زردشت بن
يورشب الذي ظهر في زمان كشتاسب[2] بن لهراسب[3] الملك. و أبوه كان من أذربيجان، و أمه من الري و اسمها: دغدوية.
[1] الخرمدينية: لفظة
أعجمية و هي عبارة عمّا يستلذ و يشتهي و ترتاح به الأنفس. و هو لقب للمزدكية و هم
أهل الإباحة من المجوس الذين ظهروا في أيام قباذ و أباحوا النساء و أحلّوا كل
محظور في الشرائع.
(عقائد آل محمد ص 25).
[2] كشتاسب، و يقال
كشتاسف. و يقول ابن الأثير بشتاسب بن لهراسب ابتنى بفارس مدينة فسا و رتب سبعة من
عظماء أهل مملكته مراتب و ملك كل واحد منهم مملكته على قدر مرتبته و قد اصطلح مع
ملك الترك. قتله رستم الشديد بسجستان. (ابن الأثير 1: 106).
[3] ملك الفرس و كان محمود
السيرة. قيل إنه ولى ابنه كشتاسب على الملك و انقطع للعبادة. (ابن خلدون 1: 238).