إلى كمال المعاد إلا
بإقامة هذين الركنين، أعني الطهارة، و الشهادة و العمل كل العمل لا يعدو هذين
النوعين، و ذلك قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ
تَزَكَّى* وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى* بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ
الدُّنْيا وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقى[1].
ثم قال عز من قائل: إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى* صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ
مُوسى[2] فبين أن الذي اشتملت عليه الصحف هو
الذي اشتملت عليه هذه السورة.
و بالحقيقة هذا هو الإعجاز
الحقيقي.
المجوس[3] و أصحاب الاثنين، و المانوية، و
سائر فرقهم
المجوسية: يقال لها الدين
الأكبر، و الملة العظمى، إذ كانت دعوة الأنبياء عليهم السلام بعد إبراهيم الخليل
عليه السلام لم تكن في العموم كالدعوة الخليلية، و لم يثبت لها من القوة و الشوكة،
و الملك، و السيف، مثل الملة الحنيفية، إذ كانت ملوك العجم كلها على ملة إبراهيم
عليه السلام، و جميع من كان في زمان كل واحد منهم من الرعايا في البلاد على أديان
ملوكهم، و كان لملوكهم مرجع هو: «موبذ موبذان»[4] يعني أعلم العلماء، و أقدم الحكماء، يصدرون عن أمره و لا يخالفونه،
و لا يرجعون إلا إلى رأيه، و يعظمونه تعظيم السلاطين لخلفاء الوقت.
و كانت دعوة بني إسرائيل
أكثرها في بلاد الشام و ما وراءها من المغرب. و قل ما سرى ذلك إلى بلاد العجم.
و كانت الفرق في زمان
إبراهيم الخليل عليه السلام راجعة إلى صنفين اثنين.
[3] هم عبدة النيران
القائلون إن للعالم أصلين: نور و ظلمة. قال قتادة: الأديان خمسة أربعة للشيطان و
واحد للرحمن. و قيل: المجوس في الأصل النجوس لتدينهم باستعمال النجاسات. و المجوس
أقدم الطوائف و أصلهم من بلاد فارس و قد نبغوا في علم النجوم. (القرطبي 12: 23 و
ابن خلدون 1: 215).
[4] الموبذان: فقيه
الفرس و حاكم المجوس كقاضي القضاة بالنسبة للمسلمين و الموبذ القاضي.