و تحركت حركة استقامة
بتدبير النفس أيضا، فتركبت المركبات من المعادن، و النبات، و الحيوان، و الإنسان،
و اتصلت النفوس الجزئية بالأبدان، و كان نوع الإنسان متميزا عن سائر الموجودات
بالاستعداد الخاص لفيض تلك الأنوار، و كان عالمه في مقابلة العالم كله.
و في العالم العلوي عقل، و
نفس كلي، فوجب أن يكون في هذا المقام عقل مشخص هو كل. و حكمه حكم الشخص الكامل
البالغ، و يسمونه الناطق، و هو النبي، و نفس مشخصة، و هو كل أيضا؛ و حكمه حكم
الطفل الناقص المتوجه إلى الكمال، أو حكم النطفة المتوجهة إلى التمام، أو حكم
الأنثى المزدوجة بالذكر، و يسمونه الأساس، و هو الوصي.
قالوا: و كما تحركت
الأفلاك و الطبائع بتحريك النفس و العقل، كذلك تحركت النفوس و الأشخاص بالشرائع
بتحريك النبي و الوصي في كل زمان دائرا على سبعة سبعة حتى ينتهي إلى الدور الأخير،
و يدخل زمان القيامة، و ترتفع التكاليف، و تضمحل السنن و الشرائع.
و إنما هذه الحركات
الفلكية و السنن الشرعية لتبلغ النفس إلى حال كمالها، و كمالها بلوغها إلى درجة
العقل و اتحادها به، و وصولها إلى مرتبته فعلا؛ و ذلك هو القيامة الكبرى فتنحل
تراكيب الأفلاك و العناصر و المركبات، و تنشق السماء و تتناثر الكواكب، و تبدل
الأرض غير الأرض و تطوى السماء كطيّ السجل للكتاب المرقوم، و فيه يحاسب الخلق و
يتميز الخير من الشر، و المطيع عن العاصي، و تتصل جزئيات الحق بالنفس الكلي و
جزئيات الباطل بالشيطان المضل المبطل. فمن وقت الحركة إلى وقت السكون هو المبدأ و
من وقت السكون إلى ما لا نهاية له هو الكمال.
ثم قالوا: ما من فريضة و
سنّة و حكم من الأحكام الشرعية: من بيع و إجارة و هبة و نكاح و طلاق و جراح و قصاص
و دية إلا و له وزان من العالم: عددا في مقابلة عدد، و حكما في مطابقة حكم، فإن
الشرائع عوالم روحانية أمرية. و العوالم شرائع جسمانية