إماما واجب الطاعة: سواء
كان من أولاد الحسن، أو من أولاد الحسين رضي اللّه عنهما. و عن هذا جوّز قوم منهم
إمامة محمد و إبراهيم الإمامين ابني عبد اللّه بن الحسن بن الحسن اللذين خرجا في
أيام المنصور و قتلا على ذلك. و جوزوا خروج إمامين في قطرين يستجمعان هذه الخصال،
و يكون كل واحد منهما واجب الطاعة.
و زيد بن علي، لما كان
مذهبه هذا المذهب، أراد أن يحصل الأصول و الفروع حتى يتحلى بالعلم، فتلمذ في
الأصول لواصل بن عطاء الغزال الألثغ رأس المعتزلة و رئيسهم، مع اعتقاد و اصل أن
جده علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه في حروبه التي جرت بينه و بين أصحاب الجمل و
أهل الشام ما كان على يقين من الصواب. و أن أحد الفريقين منهما كان على الخطأ لا
بعينه. فاقتبس منه الاعتزال، و صارت أصحابه كلهم معتزلة و كان من مذهبه جواز إمامة
المفضول مع قيام الأفضل. فقال: كان علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أفضل الصحابة،
إلا أن الخلافة فوضت إلى أبي بكر لمصلحة رأوها، و قاعدة دينية راعوها، من تسكين
نائرة[1] الفتنة، و تطييب قلوب العامة. فإن عهد
الحروب التي جرت في أيام النبوة كان قريبا، و سيف أمير المؤمنين عليّ عن دماء
المشركين من قريش و غيرهم لم يجفّ بعد، و الضغائن في صدور القوم من طلب الثأر كما
هي. فما كانت القلوب تميل إليه كل الميل، و لا تنقاد له الرقاب كل الانقياد.
فكانت المصلحة أن يكون
القائم بهذا الشأن من عرفوه باللين، و التؤدة، و التقدم بالسن، و السبق في الإسلام،
و القرب من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم. ألا ترى أنه لما أراد في مرضه الذي
مات فيه تقليد الأمر عمر بن الخطاب زعق الناس و قالوا: لقد وليت علينا فظا غليظا.
فما كانوا يرضون بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب لشدته و صلابته.
و غلظه في الدين، و فظاظته
على الأعداء حتى سكنهم أبو بكر بقوله: «لو سألني
[1] يقال: نأرت نائرة
في الناس: هاجت هائجة. و يقال: نارت بغير همز.