اسْتَوى[1] و مثل قوله:
خَلَقْتُ بِيَدَيَ[2]
و مثل قوله: وَ جاءَ رَبُّكَ[3] إلى غير ذلك. و لسنا مكلفين بمعرفة تفسير هذه الآيات و تأويلها، بل
التكليف قد ورد بالاعتقاد بأنه لا شريك له، و ليس كمثله شيء، و ذلك قد أثبتناه
يقينا.
ثم إن جماعة من المتأخرين
زادوا على ما قاله السلف؛ فقالوا: لا بد من إجرائها على ظاهرها، فوقعوا في التشبيه
الصرف و ذلك على خلاف ما اعتقده السلف. و لقد كان التشبيه صرفا خالصا في اليهود،
لا في كلهم بل في القرائين[4] منهم، إذ وجدوا في التوراة ألفاظا كثيرة تدل على ذلك.
ثم الشيعة في هذه الشريعة
وقعوا في غلو و تقصير. أما الغلو فتشبيه بعض أئمتهم بالإله تعالى و تقدس. و أما
التقصير فتشبيه الإله بواحد من الخلق.
و لما ظهرت المعتزلة و
المتكلمون من السلف رجعت بعض الروافض عن الغلوّ و التقصير، و وقعت في الاعتزال و
تخطت جماعة من السلف إلى التفسير الظاهر فوقعت في التشبيه.
و أما السلف الذين لم
يتعرضوا للتأويل، و لا تهدفوا للتشبيه فمنهم: مالك بن أنس رضي اللّه عنهما، إذ
قال: الاستواء معلوم، و الكيفية مجهولة، و الإيمان به واجب، و السؤال عنه بدعة. و
مثل أحمد بن حنبل رحمه اللّه، و سفيان الثوري، و داود بن عليّ الأصفهاني، و من
تابعهم.
حتى انتهى الزمان إلى عبد
اللّه بن سعيد الكلابي، و أبي العباس القلانسي،
[4] القراءون: هم فرقة
من اليهود، و هم بنو مقرا و معنى مقرا الدعوة، و هم يحكمون نصوص التوراة و لا
يلتفتون إلى قول من خالفها. و يقفون مع النص دون تقليد من سلف و هم مع الربانيين
من العداوة بحيث لا يتناكحون و لا يتجاورون، و لا يدخل بعضهم كنيسة بعض. (راجع خطط
المقريزي 4: 369).