نام کتاب : التعليقات نویسنده : ابن سينا جلد : 1 صفحه : 190
فالصورة المجردة عن المادة وجودها معقوليتها، أى وجودها هو أنها
عقلت، فإنها إن لم تعقل لم توجد. كما أن الصورة المحسوسة وجودها محسوسيتها، و هو
أنها أحست.
و كما أنك لو أحضرت فى ذهنك صورا تجردها عن موادها، لكان وجودها فى
ذهنك هو أنك عقلتها- كذلك إذا كانت مجردة بذواتها لم يكن وجودها إلا أنها عقلت.
فالوجود لها هو أنها معقولة، فإنها إنما توجد عند ما تعقل. و وجود
الأول هو عقليته لذاته، أى أنه تعقل ذاته، فإن ذاته مجردة، فموجوديتها له هو أنه
تعقلها. فوجود ذاته دائم، فعقليته لها دائمة. و لما كانت النفس الإنسانية مجردة عن
المادة، و كان وجودها لذاتها، كانت عاقلة لذاتها، و معقولة لذاتها، إذ كانت ذاتها
مجردة عن المادة، على ما تبين، و لم تكن ذاتها المجردة مباينة لذاتها المجردة،
كمباينة البياض مثلا، أو الجسمية لذاتيهما، فإن البياض و الجسمية وجودهما لغيرهما،
أعنى للمادة و الموضوع.
و وجود ذات كل واحد منهما مباين لذاته، فالنفس هى عالمة لذاتها، و
معلومة لذاتها.
و واجب الوجود مجرد عن المواد غاية التجريد، فذاته غير محجوبة عن
ذاتها، أى واصلة إليها، و غير مباينة لها، إذ البياض محجوب عن ذاته، أعنى أن وجوده
فى غيره.
و المحجوب عن الشىء هو أن لا يكون ذلك الشىء موجودا فى المحجوب
عنه، فإن البياض المحجوب عن البصر هو أن لا يكون حاصلا فى البصر، فلا يدركه البصر.
و أما الحاجز بينك و بينه، فهو الذي يمنع من حصوله فى حس البصر، و هو
السبب فى عدم حصول ذلك الشىء المحسوس فى حسك، أو عدم سبب الحصول. فواجب الوجود
بذاته عاقل لذاته و معقول لذاته، فإنا إذا قلنا: «علم مجرد لشىء مجرد»- معناه أن
ذلك المجرد إذا اتصل بمجرد، عقله ذلك المجرد المتصل به، و لما كانت ذات واجب
الوجود مجردة، و لم تكن مباينة لذاتها، بل كانت متصلة بها، أى وجوده له كان عاقلا
لذاته، و معقولا لذاته، و هو بالحقيقة وجوده شيئا، و معقوليته شيئا آخر، كالحال فى
الصورة المادية، التي وجودها شىء و معقوليتها تكون بعد وجودها، فلا تكون معقولة و
هى موجودة، بل من شأنها أن تعقل. و الصور الفائضة عن الأول فإن نفس صدورها عنه هو
معقوليتها له، لا أنها تصدر، ثم تعقل بعد صدورها.
و الأول عقليته لذاته و معقوليتها له شىء واحد، فهو عاقل و معقول و
عقل، و العقل بالحقيقة هو المعقول، فإن المعقول هو الشىء الحاصل فى الذهن. فأما
الأمر من خارج، فهو بالعرض معلوم و معقول، لا بالذات، و إلا لاحتيج إلى علم آخر به
يعلم ذلك العلم، و كذلك المحسوس بالذات هو الأثر الحاصل فى الحس، فأما الشىء الذي
ذكر الأثر أثره، فهو محسوس بالعرض، و ذلك الأثر المحسوس بالحقيقة هو بعينه
نام کتاب : التعليقات نویسنده : ابن سينا جلد : 1 صفحه : 190