نام کتاب : الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أول الاعتقاد نویسنده : الجویني، عبد الملك جلد : 1 صفحه : 161
فهذه حقيقة التوبة وصفتها،
و ذكر ما يلازمها من الصفات عموما و ما يلازمها في بعض الأحوال. فإن قيل: ما معنى
قولكم: التوبة ندم لأجل ما وجب له؟ قلنا: هذا التقييد لا بد منه. فإن من قارف
سيئة، و ندم عليها لإضرارها به، و انتهاكها قواه، فهو نادم غير تائب و إنما التوبة
الشرعية الندم على ما فات من رعاية حقوق اللّه تعالى.
فصل
لا يجب على اللّه تعالى
قبول التوبة عقلا، و قد أطبقت المعتزلة على أن قبول التوبة حتم على اللّه، تعالى
عن قولهم، و قد سبق الدليل العام في نفي الوجوب على اللّه تعالى. ثم لو رجعنا إلى
الشاهد لم يشهد لوجوب قبول التوبة؛ فإن من أساء مع غيره، و اهتضم حرمته و أبلغ في
عداوته، ثم جاء معتذرا، فلا يتحتم في حكم العقل قبول توبته، بل الخيرة إلى من
اهتضم و لم يرع حقه؛ فإن شاء صفح، و إن شاء أضرب عنه، و لا شك فيما قلناه.
و الذي يشهد لذلك من
السمع، إجماع الأمة على الرغبة إلى اللّه تعالى في قبول التوبة، و الخضوع له في
الابتهال إليه رجاء قبولها؛ فلو كان قبول التوبة حتما، لما كان للرغبات و الإلحاح
في الدعوات معنى.
فإن قيل: هذا قولكم في
العقل و موجبه، فما قولكم في قبول التوبة سمعا، هل ثبت قطعا أم لا؟ قلنا: لم يثبت
ذلك عندنا قطعا؛ بل هو مرجوّ مظنون؛ و لم يثبت ظن قاطع لا يقبل التأويل في ذلك،
فقطعنا بنفي وجوب القبول عقلا، و لم نقطع بالقبول سمعا و وعدا، بل نظنه ظنا. و
يغلب ذلك على الظنون، إذا توفرت على التوبة شرائطها.
فصل
التوبة واجبة على العبد، و
لا يدل على وجوبها عليه عقل؛ إذ لا يثبت شيء من الأحكام الشرعية بالعقل. و لكن
الدليل عليه إجماع المسلمين على وجوب ترك الزلات و الندم على ما تقدم منها.
ثم التوبة تنقسم: فمنها ما
يتعلق بحق اللّه تعالى على التمحض، و منها ما يتعلق بحقوق الآدميين.
فأما ما يتعلق بحق اللّه
على التمحض، فيصح دون مراعاة غيره؛ و أما ما يتعلق بحقوق الآدميين فينقسم؛ فمنه ما
لا يصح دون الخروج عن حق الآدميين، و منه ما يصح دونه. فأما ما يصح دونه فهو كل ما
يتصور فيه حقيقة الندم مع دوام وجوب حق الآدميين.
و نظير ذلك، القتل الموجب
للقود، فيصح الندم عليه، من غير تسليم القاتل نفسه ليستقاد منه. فإذا ندم صحت
توبته في حق اللّه تعالى، و كان منعه من القصاص من مستحقه معصية متجددة لا تقدح في
التوبة، بل تستدعي في نفسها خروجا عنها، و توبة منها. و ربما تتعلق التوبة بحق
الآدميين،
نام کتاب : الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أول الاعتقاد نویسنده : الجویني، عبد الملك جلد : 1 صفحه : 161