نام کتاب : الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أول الاعتقاد نویسنده : الجویني، عبد الملك جلد : 1 صفحه : 119
و إنما الاختلاف في فعل
الأصلح في الدنيا. و هذا النقل فيه تجوز، و ظاهره يوهم زللا، و قد يتوهم المتوهم
أنه يجب عند البصريين الابتداء بإكمال العقل لأجل التكليف، و ليس ذلك مذهبا لذي
مذهب منهم. و الذي ينتحله البصريون، أن اللّه تعالى متفضل بإكمال العقل ابتداء، و
لا يتحتم عليه إثبات أسباب التكليف، فإذا كلف عبدا فيجب بعد تكليفه تمكينه و
إقداره، و اللطف به بأقصى الصلاح؛ فهذا معنى قول الأئمة في نقل مذهبهم.
و مما اتفقوا على وجوبه
إحباط الطاعات بالفسوق، و قبول التوبة، إلى غير ذلك مما استقصيناه في الشامل.
و غرضنا الآن أن نقيم واضح
الدلالة على البغداديين فيما غلوا به. فإذا أوضحنا الرد عليهم، انعطفنا على
البصريين، و لبسنا فريقا بفريق بسبيل التحقيق. حتى إذا التبسا، استبان الموفّق
خلوص الحق من خبطهم، و اللّه المعين.
فمما نستدل به على
البغداديين، بعد أن نسلم لهم جدلا تقبيح العقل و تحسينه، أن نقول:
مقتضى أصلكم، أنه يجب على
اللّه تعالى أقصى ممكن في كل استصلاح، فإذا روجعتم فيما انتحلتموه، فزعتم إلى
أمثلة في الشاهد توهمتهم فيها قبحا و حسنا مدركين عقلا، و حاولتم بعد اعتقاد ذلك
ردّ الغائب إلى الشاهد، فإذا كان هذا مذهبكم، فينبغي أن توجبوا على الواحد منا أن
يصلح غيره بأقصى الإمكان، مصيرا إلى وجوب فعل الأصلح شاهدا و غائبا؛ فإذا لم
توجبوا فعل الأصلح شاهدا، و هو الأصل المرجوع إليه فيما يناقش فيه غائبا، فقد
نقضتم دليلكم و حسمتم سبيلكم.
و نفرض ما ذكرناه في
استصلاح العبد نفسه، و قد وافقونا على أنه لا يجب على العبد أن يسعى في حق نفسه
فيما هو الأصلح له في باب الدنيا، مع أنه يتمكن من جلب منافع و لذات سوى ما هو
ملتبس بها.
فإن قالوا: إنما لم يجب
على العبد فعل الأصلح في حق نفسه و في حق غيره، لأنه يصير بتكليف ذلك مكدودا
مجهودا، فجاز أن لا يكلّف الأقصى و النهاية القصوى؛ و ليس كذلك حكم الباري تعالى
فإنه مقتدر على نفع غيره و إصلاحه، مع تعاليه عن تضرر فيما يفعل. و هذا الذي ذكروه
لا محصول له، فإن التعرض للنصب و التعب لو كان فاصلا بين الشاهد و الغائب فيما
ألزمناهم، لوجب الفصل به فيما يجب على العباد اتفاقا، حتى يقال: لا يجب على العبد
شيء مما يكابده من المشاق.
فإن قالوا: ما يناله من
ثواب الطاعات يربى على ما يناله من المشقات؛ قيل لهم: فاسلكوا هذا المسلك في جلب
الأصلح في موضع الإلزام، و لا تسقطوا وجوب ما طولبتم به بالتعرض للمتاعب، و هذا ما
لا مخرج منه.
ثم نقول: العبد بالتزام
الأصلح أحق على فاسد أصولكم، و ما ذكرتموه في روم الفصل يقضي
نام کتاب : الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أول الاعتقاد نویسنده : الجویني، عبد الملك جلد : 1 صفحه : 119